19 ديسمبر، 2024 1:11 ص

كان مراقب العمل السوبر فايزر الذي اعمل تحت امرته مهندس صيني لم تعترف دولة المهجر بشهادته الصينية , فعمل ضمن اختصاصه التكنولوجي بالغرب كعامل مصنع, وسرعان ما تسلق الوظيفة ليصبح مراقب عمل .
هذه الشخصية التي لا تستطيع الانفكاك من ارثها الشرقي , والتي تفسر الامور تفسيرات ايدولوجية, كان مولعاً بشخصية صدام حسين , معتقداً بتحديه لاكبر قوة امبريالية بالعالم جرأة يفتقر اليها الكثير من سياسي الشرق الآوسط وربما بضمنهم الصين ذاتها .
قبل الغزو الامريكي كانت قناة السي ان ان الامريكية تبث برامج تحريضية ضد شخص صدام حسين وتمعن بفضح اجرامه لاكثر من ثلاثة اشهر متتالية , ومن جانب آخر تهيأ الراي العالمي باعتبارالعمل العدواني مشروعاً ضد الدكتاتورية والفاشية العالمية بنشرات تبث ليل نهار دون انقطاع .
صاحبنا الصيني اتخذ بوقتها موقفاً مغايراً وكان يشجع الجانب الآخر وكأننا في ملعب لتشجيع كرة قدم وليس بشراً , متخذاً مما يؤمن به تسقيطا عليّ باعتباري عراقية وعاملة في مصنع السيارات هوندا الذي عملت فيه فترة من الزمن بعد الهجرة , كان الرجل الصيني يسألني بين الحين والآخر هل سيفعلها صدام ويتنازل ام يقاوم ؟
جوابي كان حاضرا على الدوام لا ادري .
حين وقعت الواقعة وليس لوقعتها كاذبة , كانت قناة الس ان ان تبث بشكل مباشر قصف بغداد على مدار الساعة في منظر رهيب لا احد يستطيع مشاهدته , مما جعل دموعي تنهمر مدرارا دون توقف حتى اثناء العمل .
صاحبنا الصيني اعتبر دموعي جبنا وتخاذلاً , واعتبر الموقف الحدي الذي اتخذه صدام موقفا مشرفا لكل اشتراكي لانهم يعتبرونه ضمن دائرتهم الاشتراكية وصنيع ايدلوجيتهم .
الشعور بالوحدة والتفرد مما اشاهده من قنابل تنهال على اهلي واقاربي في بث مباشر على مدار الساعة سمة ذلك الوقت , لكن بوقتها كانت هناك امرأة من اصل شيلي خففت عني الكثير حالها حال الكثير من ابناء الجالية الامريكية الجنوبية الذين يتفهمون سياسات بلداننا التي تدعي خلاف ما تضمر .
صاحبتنا الشيلية هربت من بلدها الى فنزولا باعتبار فنزويلا يسارية, وهناك صدمت بدكتاتورية هذه الحكومة , ومدى الفساد الذي تمارسه ضد ابناء شعبها فكفرت بالفكر الشمولي الذي يدعي الشيوعية, ضاربة عرض الحائط كل افكارها السابقة ملتحقة مع ركبنا الى كندا حالها حال بقية المهاجرين كعاملة مصنع رغم خلفيتها التربوية كمعلمة .
كانت تجمعني معها الكثير من الافكار , كرهنا للانظمة الشمولية وبذات الوقت كرهنا للامبريالية العالمية التي تبرر الاحتلال بمبررات التحرير والحرب ضد الدكتاتورية بدل الحرب ضد الشعوب .
تقف امامي مقابلة لخط الانتاج فتاة افريقية من تانزانيا ذات اصول هندية, ومنها عرفت القوميات الموجودة في بلدها الاصلي , اصول افريقية, واصول عربية , وهندية, وكل مجموعة ترفض الاختلاط بالمجموعات الآخرى ولها تقاليدها واعرافها الخاصة, على ان التانزانيين من اصول عربية يعتبرون من ذوات البشرة البيضاء وهم في الحقيقة اشد سمرة من اي فرد عراقي أسمر .
المهم وانا اتأفف ولا استطيع صبرا ً وفي حالة يأس قلت لها هذه الحرب غير عادلة, تقصف الناس العزل وصدقيني لو كانت الحرب رجل لرجل لما استطاعت الصمود , اتمنى ان يستسلم العراق لانهاء القصف ومن ثم تُحول المعركة الجوية الجبانة لمقاومة شعبية ونحن على قدر هذه المقاومة .
نظرت بغضب وقالت انت لاتعرفين هؤلاء البشر, ما ان يضعوا اقدامهم بمكان على الارض لاتسطيع اية قوة اخراجهم .
انتهت الحرب باحتلال العراق , وانا تركت العمل بمعمل السيارات , اخفي خجلي و دموعي , اقضي معظم اوقاتي في النوم و لا استطيع الكلام .
بعد بضعة ايام من تركي العمل , فتحت باب المنزل واذا بي امام باقات من الزهور عند عتبة الدار محملة بكارتات تعبر عن مواساتهم وآسفهم لاحتلال العراق, وبضمنها كارت مراقب العمل الصيني .
نيران العبيدي
9 نيسان

أحدث المقالات

أحدث المقالات