18 ديسمبر، 2024 7:12 م

سقوط مدوي على شاطىء رملي، مُشبع بالمياه. ارتطام شديد. وجع مؤخرة الهامة شديد. ثم اختفى كل شيء. غيبوبة شبه كاملة. لاحقا؛ بعد دقائق قليلة، أو هكذا تخيلت. فتحت عينيَ. في الوهلة الأولى؛ لم ارَ سوى الظلام والعتمة المخيفة، إنما تاليا في دقائق، تراجع الظلام والعتمة، ولم يبق منهما الا طيفهما، وراء جذع النخلة السامقة حد انها بدت لي في تلك اللحظة كأنها تعانق السماء الزرقاء فوقي. المهم في النهاية؛ خفَا الى حد ما، ألم هامتي وظهري. من ثم، تمددتُ، اقدامي غاطسة في المياه، مسترخيا ومستريحا رغم الألم، على نداوة الرمل التي اشعرتني ندواته بالبرودة، في مواجهة حرارة القيظ هذا. دقائق حاولت فيها؛ ان استرجع نشاطي وقوة بدني كي لا يخذلني ويهبط همتي في النهوض والمغادرة من هذا المكان الذي يحفُ الخطرُ فيه، من كل جوانبه. السماء زرقاء صافية حد الدهشة. حدقت في اديمها. هذا الوقت من النهار، في شهر تموز، حرارة الظهيرة، شديدة جدا. وجدتني فيها اختنق ويطفر الهواء مني. ألم كما السكاكين في ظهري ورقبتي ورأسي، رغم بلل الرمل الذي يلامسه، الذي خُفِفَ الى حد ما، منه. لذا، لمت نفسي على تعجلي في صعود هذه النخلة، ، في ظهيرة تموز هذه. لكن من الجانب الثاني؛ هناك اسباب، اجبرتني على اختيار هذا الوقت من النهار. من سوء الصدف، أو من القدر المشؤوم؛ من أن مباني السفارة الامريكية التي يجري تشيدها على قدم وساق، وعلى مدار ايام الاسبوع؛ ان تقع او يقع موقع مباني هذه السفارة، من ضمن محيط بستان النخيل خاصتي. ورثته عن ابي الذي ورثه عن جدي في سلسلة لامتناهية من الاجداد، أو هكذا تصورتها، سلسلة الاجداد، تنتهي بي أنا وريث بستان النخيل هذا، الذي يقع على ضفاف نهر دجلة، أو أن البستان يتوسد زند النهر. بالذات هذه النخلة السامقة النابتة على جرف النهر تماما. التي ترتفع عاليا حتى بدت لي وأنا اتهيأ لصعودها؛ كأنها تعانق وجه سماء صافية الزرقة حد الدهشة. عندما ارتديت قميصي الابيض الوحيد الذي طرز نسيجه؛ بنهرين، بألوان زاهية، براقة، جميلة، أخاذه. اعترضت زوجي على هذا القميص. :- اخلعه. ثم جاءت بقميص جديد، ليس في نسيجه اي شكل ولو بسيطا من اشكال التطريز. طلبت مني ان ارتديه. لكني رفضت بقوة، امدني بها، داخلي الرافض لما تريد بإصرار زوجي مني، من غير ان اتفوه حتى ولو بكلمة واحدة. وهي تلح عليَ؛ لأخلعه، وألبس بدلا منه، القميص الجديد؛ ابحرت بكل روحي وعقلي، في الصمت. القميص الجديد يرفرف بين يديها المرتجفتين بفعل غضبها وسيل كلماتها معي. لم تكن هذه هي المرة الاولى التي تعترض، بل لعدة مرات لا حصر لها. عارضتني على لبسي اياه، في كل مرة من هذه المرات التي لا عد لها، كأنها متوالية عددية. السبب في اصراري على هذا القميص العتيق؛ ظل كما هو، لم تفعل السنون فيه، من تأثير على لونه وعلى متانته، رغم ما مر عليه من الازمان المديدة، بخلاف الجديد الذي يفتقر نسيجه الى الجمال والمعنى. صعدت في قيظ تموز، بعجالة الى قلب النخلة هذه المرتفعة كأنها ناطحة سحاب. المهم ان اختياري لصعود النخلة السامقة، او انها اعلى من جميع النخل في البستان، وانها الوحيدة القريبة جدا من انشاءات السفارة الامريكية، التي تطل النخلة عليها، كونها سامقة اكثر مما يجب. :- ان القائمين على العمل فيها، يغادرون موقع العمل في هذا الوقت، لتناول طعام الغداء والاستراحة لبعض الوقت، اوضح الرقيب الامريكي محذرا اياي، من دخولي المنطقة خارج هذا الوقت. اجبته:- هذا هو ما احتاجه لقص اعذاق النخلة الممتلئة بالرطب الناضج. تسللت، في ساعة الظهيرة هذه، عندما تأكدت تماما من انه؛ لم يبق سواء حارس امريكي واحد في برج المراقبة؛ حين ابصرني، نزل من البرج، من ثم مشى جهتي، وقفت انتظره. عندما وصل ألقى التحية. وأنا اصافحه، وضعت في كف يده ما جعله يضحك منشرحا، وهو يربت على كتفي. قال لي الرقيب الامريكي المسؤول عن حراسة السفارة قبل ايام:- يجب للأمان ان تنتهي من العمل قبل انتهاء وقت الظهيرة، وقت الاستراحة وتناول طعام الغداء هذا اولا وثانيا عليك اعطاء شيئا ما الى الحارس هناك في المرصد عندما يأتي إليك. ضربت بأداة الجز العذق الاول القريب مني، الا ان ضربتي، اندفعت في الفراغ بين سعف النخلة. فتحت عينيَ على عتمة خلقتها او جلبتها الى مكاني هذا، عاصفة غبار اصفر كثيف جدا، عصفت بغته، في هذه اللحظة، حتى بدى لي المكان غارقا في صفرة ظلام حجب عني رؤية قلب النخلة التي لا يبعد منبتها عني سوى مترين اكثر قليلا او اقل قليلا. وجدت اقدامي غارقة في المياه حد الركبتين. اوجاع جسدي، وجع هامة رأسي من اثر سقوطي على ظهري، من قلب النخلة؛ بدت تؤلمني بشدة. لكني مع هذا الالم؛ تحاملت عليه، ونهضت محاولا، محاولتي استغرقت بضعة دقائق بسبب ألام جسدي ووجع رأسي المبرح؛ ان اغادر بعد انجلاء الغبرة التي جلبتها العاصفة قبل حين. اقدامي تسحب بسرعة الى اعماق المياه، يؤلمني، السحب يتواصل بسرعة. :- ما هذا الذي يحصل؟ وجدتني انظر الى جرف المياه. في اللحظة التي عرفت بها الذي يحصل؛ جسدي في ثانية، مع سروالي وقميصي اياه؛ اصبح في جوف التمساح باستثناء رقبتي ورأسي، اللذان لم يبتلعهما بعد. طنين في أذنيَ، يسألني عن الكيفية والطريقة التي وصل بهما التمساح من أعالي البحار الى مياه نهر دجلة. سرعة الابتلاع والرعب والمباغتة، لم يمنحاني فرصة لطلب النجدة. أخر ما رأيت؛ فصيل من جنود المارينز الأمريكيين، يقفون فوق رأسي..