غزة ، وما أدراك ما غزة ؟
ليست مجرد مدينة محاصرة ، ولا رقعة جغرافية على أطراف خارطة فلسطين ، بل هي امتحان متكرر لإنسانية العالم ، وكشف مستمر لوجه الأمة العربية الحقيقي ، هذا الوجه الذي تجعد بالصمت وتكلس بالخوف ، وانحنى خجلاً أو خنوعًا أمام مشاهد المجازر والتجويع والدمار .
غزة اليوم ليست بحاجة لتعريف ، فهي باتت تعرف العالم بنفسها
بالأشلاء ، بالغبار ، بدموع الثكالى ، وبأصوات الأطفال الذين يصرخون من تحت الركام “بدأنا نأكل الرمل” .
أية كلمة تُقال بعد هذا ؟
أي بيان سياسي أو مؤتمر تضامني يمكن أن يرمم وجع أمٍّ تنبش التراب بحثًا عن فلذة كبدها ؟
أي عذر ستقدمه أمة الإسلام والعروبة حين يسألها التاريخ ، أين كنتم ؟ لماذا سكتّم ؟ لماذا خذلتم غزة ؟
غزة اليوم لا تُباد فقط بآلة العدو الإسرائيلي ، بل تُنهك وتُذبح بصمت القريب ، بصمت الشقيق ، بصمت الأنظمة التي تزينت بالتنديد ولم تحرّك ساكنًا ، وبلامبالاة الشعوب التي اعتادت على الألم وداست على ضمائرها باسم “عدم التورط” .
غزة الجريحة ليست بوذية ولا هندوسية كما قال طفلها ، بل عربية مسلمة ، تحمل قضاياكم فوق أكتافها وتواجه الموت نيابة عنكم ، عن شرفكم ، عن كرامتكم
فهل منكم من يزال يظن أن قضيته بعيدة عنها ؟
وهل تظنون أن موت غزة يعني نهاية المعركة ؟
كلا ، فغزة لن تُمحى من الخارطة ، بل تبقى جمرة مشتعلة تحت رماد العجز ، توقظ الضمائر وتفضح الخيانات وتطارد المتخاذلين في يقظتهم ومنامهم .
يا عرب ، إن كانت رؤوسكم مدفونة في الرمال ، فإن دماء غزة تكتب الحقيقة على جدران التاريخ ، ولن يغفر لكم التاريخ تخاذلكم ، ولن يرحمكم سؤال الطفل الذي قال “بدأنا نأكل الرمل”.
أي ذنب ارتكب هذا الطفل ليجوع ؟ وأي ذنب أكبر ارتكبناه نحن حين خذلناه ؟
إن غزة ليست عبئًا ، بل وسام شرف لا يستحقه إلا الأحرار .