18 ديسمبر، 2024 7:43 م

غربيون : العقوبات على روسيا بمثابة قنبلة ذرية

غربيون : العقوبات على روسيا بمثابة قنبلة ذرية

بعد أن إختارت طواعية أن تكون الى جانب الدول الغير صديقة لروسيا ، وتخليها عن صفة الحياد التي كانت تتمتع بها منذ 70 عاما ، وتقديمها بطلب الانضمام الى حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) في خطوة معادية لروسيا ، أوقفت شركة “غازبروم”، بالكامل توريد الغاز إلى شركة Gasum الفنلندية، بسبب رفض الأخيرة تسديد قيمة الغاز بموجب المخطط الجديد- بالروبل الروسي ، ونوهت الشركة الروسية، بأنها زودت Gasum في عام 2021 الماضي بـ 1.49 مليار متر مكعب من الغاز – أي ثلثي إجمالي استهلاك الغاز في فنلندا.
ويأتي أيقاف شحن الغاز الى فنلندا ، بعدما أخطرت شركة “غازبروم اكسبورت” شركة في أبريل الماضي Gasum ، بأن المدفوعات المتفق عليها في العقد معها يجب أن تتم بالروبل في المستقبل، وليس باليورو ، ومع حلول نهاية يوم العمل في 20 مايو، لم تستلم الشركة الروسية أية مدفوعات مالية من Gasum الفنلندية ، مقابل إمدادات الغاز في أبريل وفقا لمرسوم الرئيس الروسي رقم 172 بتاريخ 31 مارس 2022 ، بل على العكس رفضت هلسنكي من جهتها المطلب الروسي، وقالت إنها ستتوجه إلى التحكيم في حال توقفت إمدادات الغاز الطبيعي من روسيا ، ما دعا الكرملين بدوره الى التأكيد بأن روسيا لن تقوم بتوريد غازها الطبيعي إلى أي أحد مجانا.
والمعروف انه وبعد فرض الدول الغربية عقوبات على روسيا، طال التحفظ على جزء من احتياطيات روسيا الدولية، ما دفع موسكو الى الإعلان عن تحويل مدفوعات الغاز بالنسبة للدول غير الصديقة إلى الروبل، وذلك لضمان استلام ثمن الغاز المورد، وبموجب المرسوم الرئاسي الروسي فانه يتوجب على الشركات، بما في ذلك الأوروبية، من الدول غير الصديقة فتح حسابين في بنك “غازبروم بنك” الأول باليورو والثاني بالعملة الروسية الروبل.
ونتيجة القرار الروسي، وانصياعا للرغبات الامريكية المتسلطة على رقاب هذه الدول، بدأت دول أوروبا تسابقا ” محموما ” لإيجاد بدائل للغاز من روسيا أكبر مورد للقارة، على خلفية العملية العسكرية الخاصة لنزع سلاح أوكرانيا ودرء تهديداتها، معتبرة واردات الغاز الطبيعي المسال من قطر والولايات المتحدة، أكبر مصدري العالم، جزءا أساسيا من هذا الحل، لكن وعلى ما يبدو لازالت تلك المحاولات ” عقيمة ” ، وفشلت هذه الدول من إيجاد البدائل السريعة عن الغاز الروسي .
وكشف نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك عن عدد الشركات الأجنبية التي وافقت على سداد ثمن الغاز الروسي بالروبل، وأشار إلى أن نحو نصف العملاء الأجانب التابعين لشركة “غازبروم أكسبورت” (ذراع التصدير لشركة “غازبروم”) قد فتحوا حسابات بالروبل لسداد ثمن الغاز الروسي، وذلك من أصل 54 عميل للشركة الروسية، وعن تداعيات رفض الاتحاد الأوروبي للنفط الروسي، أشار نوفاك، إلى أن السوق العالمية ستشهد إعادة لتوزيع لإمدادات النفط في حال اتخذ الاتحاد هذه الخطوة، حيث سترسل روسيا نفطها إلى أسواق أخرى.
وعلى الرغم من تأكيد المستشار الألماني أولاف شولتس، أن قطر ستلعب دورا محوريا في استراتيجية بلاده للتنوع في مصادر الطاقة، والإشارة إلى أن “ألمانيا ستطور بنيتها التحتية لاستيراد الغاز المسال بالسفن” ، فقد أكد أمير قطر أن “بلاده تعتزم بدء توريد الغاز الطبيعي المسال إلى ألمانيا في عام 2024، وأن الدوحة ستركز على زيادة استثماراتها في ألمانيا خلال السنوات المقبلة”.
ووفقا للمصادر فقد أسفرت جهود ألمانيا لتأمين المزيد من إمدادات الغاز الطبيعي من قطر عن نتائج متواضعة، إذ لم يتمكن منتج الطاقة الرئيسي في منطقة الخليج من تقديم أي تدفقات إضافية لمدة عامين آخرين ، ونظرا لأن قطر تنتج بالفعل أعلى بكثير من طاقتها الإنتاجية، وأنها أعلنت عن عدم نيتها فسخ العقود مع المشترين في آسيا، فإن لديها خيارات قليلة لمساعدة ألمانيا على تحقيق هدفها المتمثل في الاستغناء عن واردات الغاز الروسي بحلول عام 2024 ، ويشير تقرير لوكالة “بلومبيرغ”، إلى أن قطر يمكنها إرسال الغاز الطبيعي المسال إلى ألمانيا من منشأة أمريكية جديدة لديها حصة فيها، اعتبارا من عام 2024، ولن يبدأ مشروع التوسعة في الداخل عملياته حتى عام 2026 على الأقل، في وقت متأخر عما كان متوقعا.
كما وأشارت مصادر مطلعة إلى أن الإعلان لا يعني إبرام صفقات طويلة الأجل للغاز الطبيعي المسال ، وأن تلك المحادثات “تواجه تحديات مع إحجام برلين عن قبول شروط قطر لإبرام صفقات مدتها 20 عاما على الأقل لتأمين كميات ضخمة من الغاز الطبيعي المسال تحتاجها ألمانيا ، واستبعد نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك أن تنجح دول الاتحاد الأوروبي في استبدال إمدادات النفط والغاز من روسيا بشكل كامل في السنوات 5 – 10 القادمة ، ونتيجة لذلك فقد وافقت شركة VNG الألمانية على سداد ثمن الغاز الروسي المورد إليها عبر “غازبروم بنك”، أي أن الشركة فتحت حسابا في “غازبروم بنك” وذلك بناء على الآلية التي طرحتها موسكو ، وأعربت الشركة الألمانية أن تحويل الأموال من اليورو إلى الروبل الروسي لن يسبب صعوبات، لكن الشركة لم تؤكد فيما إذا تم فتح حسابين لدى “غازبروم بنك” باليورو والروبل أم فقط بالعملة الأوروبية.
وكما قبلت الدولتان الأوروبيتان النمسا وهنغاريا بسداد ثمن الغاز الطبيعي الروسي المورد إليهما بناء على الآلية التي طرحتها موسكو، أي عبر “غازبروم بنك” ، وأكد وزير الخارجية الهنغاري أن بلاده ستدفع ثمن الغاز الروسي المورد إليها بناء على الآلية التي طرحتها موسكو، مشددا في الوقت نفسه على أن إمدادات الغاز الروسي إلى هنغاريا عبر بلغاريا تتم بشكل طبيعي ، وقال وزير الخارجية والتجارة الخارجية الهنغاري، بيتر زيجارتو، إن موعد سداد الغاز الروسي التالي محدد في 22 مايو (2022)، وسيتم ذلك من خلال تحويل ثمن الغاز باليورو إلى حسابنا باليورو في (غازبروم بنك)، والذي سيحولها بدوره إلى روبل ويرسلها إلى “غازبروم أكسبورت” الروسية”.
وأعلن المستشار النمساوي كارل نهامر من جانبه ، أن النمسا وشركة الطاقة النمساوية “أو أم في” قبلتا شروط الدفع مقابل الغاز الروسي بالعملة الروسية الروبل ، وإنه تمت الموافقة على الشروط الروسية من خلال فتح حساب مناسب لدى أحد البنوك الروسية، في إشارة إلى “غازبروم بنك ، وقال المستشار “قبلنا شروط الدفع، كما فعلت الحكومة الألمانية” فقد تبين أن (الشروط) تتماشى مع العقوبات (المفروضة على موسكو) ، ” وبالنسبة لنا، كان هذا مهما”.
وتؤكد روسيا استحالة الحديث عن ضمان أمن الطاقة في أوروبا بدون موارد الطاقة الروسية ، وان قرار البرلمان الأوروبي حول حظر استيراد موارد الطاقة الروسية يشير إلى أن الخطوة يجب أن تكون مصحوبة بخطة عمل تهدف إلى ضمان أمن إمدادات الطاقة في الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك يتفق اللاعبون الرئيسيون في الصناعة على أنه من غير المحتمل أن يكون من الممكن استبدال النفط والغاز الروسيين بالكامل في السنوات الخمس أو العشر القادمة ، ووفقا لكلمات نوفاك تبلغ حصة إمدادات النفط لدول الاتحاد الأوروبي من روسيا 30% أما الغاز فتصل إلى 40%، فيما تبلغ حصة الفحم الروسي في إجمالي واردات أوروبا حوالي الثلث ، وأشار المسؤول الروسي إلى أن الاتحاد الأوروبي يسعى للتخلي عن مصادر الطاقة الروسية من خلال تنويع إمدادات الغاز وتسريع التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة واستبدال الغاز في أنظمة التدفئة بأنواع أخرى من الوقود ، وان كل هذه الإجراءات وفقا للمفوضية الأوروبية ستخفض الطلب على الغاز الروسي بمقدار الثلثين بحلول نهاية هذا العام.
الضغوط الغربية والأمريكية والبريطانية ، وسعيها الى حرمان روسيا من موارد الطاقة ، أتخذت منحى إيجابيا تجاه روسيا ، ونقلا عن محللين فأن روسيا من المتوقع أن تحصل على إيرادات قياسية تقدر بنحو 100 مليار دولار من مبيعات الغاز إلى الدول الأوروبية هذا العام ، ونقلت صحيفة “ليزيكوس” ، عن محللي “بنك سيتي”، أن الدخل المتوقع من مبيعات الغاز سيكون ضعف ما كان عليه العام الماضي ، علما أن التحليل لا يأخذ في الاعتبار الإيرادات المالية من بيع النفط والفحم والمعادن الأخرى ، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنه على الرغم من العقوبات والتصريحات الصاخبة والوعود بفرض حظر، فإن 27 دولة من دول الاتحاد الأوروبي تحول 200 مليون دولار إلى شركة “غازبروم” الروسية بشكل يومي.
ومن وجهة نظر غربية ، فإن الأمور روسيا تسير بشكل جيد في حرب العقوبات مع الغرب، وهي تحقق النصر فيها ، مشيرة إلى أن جميع دول أوروبا تقريبا، تدفع بالروبل مقابل النفط والغاز، رغم مزاعم الاتحاد الأوروبي قبل فترة بأنه لن يقبل استخدام الروبل للدفع ، وبالإضافة إلى ذلك، ارتفعت أسعار كل شيء تقريبا تصدره روسيا ، وترى الصحيفة، أن “عواء” ممثلي الصناعة الألمانية تصاعد بالفعل ليس فقط بسبب أسعار مصادر الطاقة الباهظة، بل وبسبب النقص في العديد من المعادن ، وقالت صحيفة Lidovky التشيكية ، انه “وبتغيير عملاتنا إلى الروبل الروسي في بنك روسي باسمنا أو باسم شركاتنا، فإننا نتجاوز العقوبات التي اعتمدناها بأنفسنا بضجة سياسية كبيرة ، ستستمر المبالغ الكبيرة لموارد الطاقة في التدفق إلى روسيا، ووفقا للسيناريو الذي حدده الكرملين بالضبط”.
ولم تتوقف عجلة التصدير للغاز الروسي كما كان يريد الغرب ، بل على العكس فقد زادت إمدادات الغاز الطبيعي المسال من روسيا إلى الصين في الفترة من يناير إلى أبريل من العام الجاري على أساس سنوي بنسبة 15% لتصل إلى 1.43 مليون طن، والمصدر الرئيسي للغاز المسال إلى الصين في الفترة من يناير إلى أبريل كانت أستراليا (7.49 مليون طن بقيمة 5.38 مليار دولار)، تليها قطر (5.48 مليون طن بقيمة 3.57 مليار دولار)، ومن ثم ماليزيا (3.02 مليون طن بقيمة 2.08 مليار دولار) ، ووفقا لبيانات الجمارك الصينية فإن قيمة موارد الطاقة التي تشتريها الصين من روسيا ارتفعت بواقع 2.45 مرة لتصل إلى 1.32 مليار دولار ، ومن حيث الكمية، فقد أظهرت البيانات أن حجم إمدادات الغاز الطبيعي المسال من روسيا إلى الصين ارتفع وصعدت روسيا بذلك من المركز السادس إلى المركز الرابع في قائمة كبار موردي هذه المادة ، وعلى الرغم من أن روسيا احتلت المرتبة الرابعة في إمدادات الغاز المسال، إلا أنها ما تزال المصدر الرئيسي لغاز الأنابيب، إذ صدرت في الفترة من يناير إلى أبريل من هذا العام غازا بقيمة 1.04 مليار دولار، بزيادة قدرها 2.67 مرة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021.
كما وتعمل روسيا على زيادة فائضها التجاري في علاقاتها مع بقية العالم، وكما ذكرت مجلة “إيكونوميست”، أن الصادرات الصينية إلى روسيا زادت بمقدار الربع في أبريل، بينما تضاعفت الواردات الصينية من روسيا، وانخفضت الصادرات الألمانية إلى روسيا بنسبة 63٪ خلال نفس الفترة، بينما انخفضت الصادرات الروسية إلى ألمانيا بنسبة 3٪ فقط، وبشكل إجمالي انخفضت الواردات الروسية بنسبة 44٪ ، بينما زادت الصادرات بنسبة ثمانية بالمائة.
ويخطط التكتل الأوربي للتوصل إلى اتفاق ثلاثي للغاز الطبيعي المسال مع إسرائيل ومصر قريبا كجزء من جهود إنهاء الاعتماد على روسيا، وأكد مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في مدونته، أنه فيما يتعلق بتنويع الإمدادات، اتفقت المفوضية الأوروبية والولايات المتحدة بالفعل على إمدادات إضافية من الغاز الطبيعي المسال، و ” نحن نعمل أيضا مع كندا بشأن الإمدادات المحتملة للغاز الطبيعي المسال والهيدروجين. ويخطط الاتحاد الأوروبي لإبرام اتفاقية ثلاثية مع إسرائيل ومصر لتوريد الغاز الطبيعي المسال قبل الصيف” ، وهو ما كشفته أيضا تقارير صحفية عن سعي الاتحاد الأوروبي إلى تكثيف التعاون مع الدول الإفريقية من غرب القارة لاستبدال واردات الغاز من روسيا، بالإضافة إلى جهود لتوقيع مذكرة تفاهم مع مصر وإسرائيل.
وفي غضون ذلك حذرت دول أوربية ومنها هنغاريا من تداعيات مدمرة على اقتصادها في حال تخلي أوروبا عن واردات الغاز من روسيا، مؤكدة استحالة تعويض النفط الروسي ، وقال رئيس وزراء هنغاريا فيكتور أوربان إن بلاده تعارض العقوبات المتسرعة ضد روسيا، والتي هي بمثابة قنبلة ذرية تؤدي إلى مجاعة وهجرة جماعية غير مسبوق، وأضاف «نحن أمام شتاء قاس (قادم).. الصراع العسكري في أوكرانيا يضعنا في موقف صعب، وهذا صعب بالنسبة لبلاده ، ولأنها عضو في الاتحاد الأوروبي، لذلك لا توافق هنغاريا على التدابير الاقتصادية غير المقبولة وغير المعقولة المتخذة في بروكسل ضد روسيا والتي ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار ، ويجب عدم اتخاذ عقوبات متهورة، لأن العقوبات ضد روسيا تساوي قنبلة ذرية واحدة، وهذا يمكن أن يؤدي إلى حقيقة ” أننا لن نكون قادرين على إطعام شعبنا فحسب (وإطعام الشعوب بالمجمل)، ولكن أيضا الحصول على الكثير من المهاجرين على حدودنا”.
وباعتراف المسئولين الاوربيين فأن الاتحاد الأوروبي يستغل قوته ويفرض أفكاره ومعتقداته على الدول ، فمثلا يحاول الاتحاد تقليص سلطات المجر والدول الأعضاء ، وبروكسل تسيء استخدام سلطتها وتريد “أن تجبرنا على ما هو غريب عنا” ، وفقا لأوربان الذي شدد أيضا على أن الهوة الثقافية بين الاتحاد الأوروبي وبودابست آخذة في الازدياد ، في حين أكد وزير الخارجية الهنغاري، بيتر سيارتو، بأن اقتصاد بلاده “سيدمر” في حال وقف توريدات الغاز من روسيا ناهيكم عن الإصلاح التقني لمصافيها لغرض تكرار أنواع أخرى من النفط والغاز غير الروسية، والذي سيتطلب استثمارات إضافية بحجم 550 مليون يورو ، وأن الحجم الإجمالي من الاستثمارات لمثل هذه المهمة قد يبلغ حوالي مليار يورو.