23 ديسمبر، 2024 5:38 ص

لطالما أعجبني المتنبي وشعره وطموحه وحلمه في توحيد الصف وجمع الكلمة خلف قائد قوي عادل فكان يدور البلدان وينزل على الملوك والامراء ولكن سرعان ما يخيب ظنه وينصرف باحثا عن ضالته ، ولما عجز قال شعره الشهير الذي انقلب مثلبة عليه بانه ادعى النبوة حين قال ( أنا غريب في أمة تداركها الله كصالح في ثمود ) ، فهمة عالية وعلم وافر وعمل كثير واجتهاد مستمر لكن وسط واقع جاهل متخلف همه اكمال يومه بحلوه ومره .

ليس ابو الطيب فقط من عانى من هذه المشكلة ، مشكلة ان تكون عالما وسط قوم جاهلون بل هناك الكثير الكثير ممن اكتووا بنار العلم وماتوا وفي قلوبهم حسرة ان تدفن علومهم معهم ، ولسنا هنا في بحث تاريخي لنعدد اسماء هؤلاء العظماء بل سنكتفي بعالم العلماء وكعبة المفكرين ، باب علم مدينة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الامام علي عليه السلام والذي قضى عمره الشريف محاولا ان يجد من يفهم ما يريد .

فكم قرأنا من الروايات التي تحدثت عن المه عليه السلام لدرجة انه كان يخرج الى الصحراء ويخاطب الارض او يضع راسه في البئر ويبكي بمرارة لعدم انتفاع الناس من علمه حتى انه عندما قال : اسالوني قبل ان تفقدوني قام له رجل متسائلا عن راسه ولحيته وكم فيهما من شعر .
ولان لكل عصر حسين الثائر فهناك علي العالم الذي يحيط به الجهلاء ، فلا هم ينتفعون من علمه ولا هو يستطيع تركهم التزاما بتكليفه الشرعي بقيادة الامة ، نعم لكل عصر علي العالم الذي يفزع اليه الناس عندما تدلهم بهم الخطوب ، فلولاه لهلك فلان ولولاه لتشتت الامة وتفرقت دويلات متناحرة .

اليوم يعيد التاريخ نفسه فنجد قائدا عالما فقيها مجاهدا ، يتجاهله الناس وقت الرخاء بل ويتطاولون عليه وفي وقت الشدة يتدافعون على بابه طلبا للحل والخلاص ، قائد جاء من تلك السلالة الطاهرة التي لم تنجسها الجاهلية بانجاسها والذين تقلبوا في الاصلاب الطاهرة والارحام المطهرة فكانوا رايات الهدى واعلام التقى .

اليوم لو حللنا جميع الشخصيات مع كامل الاحترام والتقدير لا نجد بينهم من رفض الانا بكل اشكالها الطائفية والقومية والعرقية والفكرية ونذر نفسه لخدمة العراق الموحد الذي يمثله بفريق قوي منسجم يبنى من جميع الطوائف والقوميات والمذاهب الا رجل قدم كل افكاره ولا زال يقدم وسيبقى يقدم من مبادرات لبناء الوطن والمواطن ، بناء الدولة باركانها الصحيحة وبناء الانسان السوي المستقيم الذي يحمل صفة المواطنة الصالحة بقدرة وجدارة .

نعم لا نجد الا رجل واحد ، قائد عادل وعالم عامل ومفكر مظلوم  مشكلته انه عاش في غير زمانه ، بين قوم عجزوا عن فهم ما يريد فلا هم قدموا عمله واخذوا برايه خوفا على عروشهم ولا هم تركوه يبني المستقبل وفق منهج صحيح خوفا من ارتفاع نجمه وهو المرتفع على النجوم علوا وشموخا ، محاولين اطفاء نور فكره ولكن هيهات هيهات فهو ورجاله بناة المستقبل برغم انوف الحاسدين .