23 ديسمبر، 2024 2:24 م

غربة القراءة غربة القراءة

غربة القراءة غربة القراءة

ثمة عناصر ضغط أجدها حاضرة أمامي حين الشروع في كتابة مقالة أتناول فيها موضوعة من الموضوعات ، وأهم تلك العناصر هي محاولة مراعاة عدم الإطالة والزيادة والسعة في ما أكتب، خوفآ من إعراض القرّاء والمتلقين لها، لاسيما وأن ألسمه السائدة لشريحة مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي هي المرور السريع على الموضوعات ، والقراءة السطحية والسريعة وغير المركزة، والابتعاد عن قراءة النصوص الطولية نسبيا، وبعبارة أخرى كأن لسان الحال يقول ، نحن في هذا العصر لا يمكننا أن نتوقف لدقائق أمام نص أو منشور، بل يجب على الكاتب أن يختصر ويشير إلى الفكرة ونأخذ ألزبده منه كما يقال في المثل ، وهذا ما أسمعه كثيرا من الأخوة وفي مختلف المستويات ، ويختصر ذلك ما سمعته من أحدهم حيث يقول :(عندما أشاهد نص طويل نسيبا ، فأن القرار لن يتأخر في الإعراض عنه أو قراءة أول سطرين منه، أو إعطاء أعجاب لصاحبه مجاملة وكفى، بصرف النظر عن محتوى النص والقيمة الأدبية والفكرية والموضوعية التي يحتويها)،!!

ولم يكن هذا النمط للمجتمع في التعاطي مع القراءة ناتج من حالة طارئة ألقت بضلالها فجأة على المشهد الثقافي العربي عموما والعراقي بوجه الخصوص، وإنما وبلحاظ تداعيات جمة وتحولات اجتماعية كان اللاعب الأكبر فيها، دخول مؤثرات العولمة والتطور التكنولوجي الكبير، وظهور شبكات الانترنيت مع السياسات الخاطئة للمؤسسات التربوية والمجتمعية في كيفية الاهتمام في الكتاب والقراءة، لتظهر لنا الآن ثقافة جديدة تطفو على السطح بائنة بشكل جلي. وهي الثقافة السمعية وثقافة المشافهة، التي تبتعد عن المنهج العلمي، والتحقق من المعلومات ، وهي الثقافة المستمدة من الاستماع للآخرين والتي تتعامل مع الجانب الوجداني والانفعالي دون الجانب العلمي والعقلي، للدرجة التي أصبحت فيها الشائعات تنتشر كالنار في الهشيم فضلا عن المكذوبات والأقاويل، بل ويبنى عليها أثر واتخاذ قرارات وعندما تسأل أحدهم من أين جئت بهذا الخبر فأنه سيقول لك:(قالوا- يقولون- سمعت)!!، ليصبح المجتمع ظاهرة صوتية وبامتياز، وهذا ما هو مؤكد ومؤشر بطبيعة الحال، وأتذكر كلام احد الأخوة بهذا الخصوص بعد عودته من زيارة إلى أحدى دول الجوار وكان ضمن بعثه لتطوير المهارات والقابليات، حيث قال ؛(بأن الأساتذة أشادوا بمثابرتنا وتفاعلنا ولكنهم قالوا، أن ما يعيبكم أنكم حين تتحدثون فان مجمل كلامكم ومصادر الحديث لديكم واستنتاجاتكم مبنية على ما سمعتموه فقط)،!!! انتهى كلام الأخ.

لهذا نجد من الضروري بمكان إعادة الحياة إلى نطاق ومجال القراءة والكتابة، وإزالة عناصر القطيعة والفجوة بيننا وبينها، ولابد لنا من ذلك ، لأنه الدواء الذي يجب تناوله، لكي نتعافى، وخير من أشار إلى الدور المهم والخطير لأهمية القراءة في حياة الشعوب، هو القران الكريم حيث نزلت أولى آياته المباركة وهي تقول:( أقرأ بأسم ربك)!،وليس بغريب هذا الأمر، وفي القراءة سياحة للعقل البشري بين رياض الحاضر وأثار الماضي وبقاياه وأمال المستقبل،لأنها الينابيع الصافية لخبرة كل مجرب يضعها بين يدي القارئ وبكل سهولة ويسر، وكما قيل بأن الكاتب يأخذنا إلى قمم الجبال ثم ينزل بنا إلى الأودية ويسير بينا بين الرياض الخضراء ثم ينتقل بنا إلى الصحاري الجدباء،ورحم الله القائل

( نعم المحدث والرفيق كتاب..

تلهو به إن خانك الأصحاب…

لا مفشيا للسر إن أودعته..

وينال منه حكمة وصواب..)…

وفي الختام فأن البصيرة التي يبحث عنها كل أنسأن دون استثناء أحدى أهم أبوابها الواسعة هي ثقافة المطالعة والقراءة والتوجه إلى الكتاب، لان ثقافة المشافهة والظاهرة والصوتية هي ثقافة أحادية الأبعاد تتجه بالإنسان لتسطيح التفكير، لهذا ومن أجل البقاء تحديدا، يجب ممارسة القراءة

كما نمارس الرياضة التي لامناص منها.وفي ذات السياق ولا يمكن لنا أن نلقي اللوم في هذه الإشكالية على القارئ والمتلقي بطبيعة الحال ،وإنما هناك مسؤولية كبرى تقع على عاتق المثقف والكاتب والأديب ، في كيفية اختراق الحواجز التي شيدها الزمان للوصول إلى مرحلة شد واستدراج المتلقي والقارئ ،لان انفع الكتب هي تلك التي تستحث القارئ على إتمامها.