23 ديسمبر، 2024 8:52 ص

موجات النزوح المتواصلة في العراق أفرزت نتائج سلبية على جميع الصعد، فالأمراض النفسية وصلت حد الانتحار في المخيمات و الاعتقالات بين صفوف الشباب حولتهم الى ضحايا بوشايات مختلفة، لتأتي الصدمة الكبرى في فرض شرط الكفيل على النازحين الى بغداد و كأن العراق تحول فعلا الى دويلات في نظر السياسيين تنتظر فقط ترسيخها على أرض الواقع، فما يجري ليس مستهجنا بل يمثل خروجا على كل الموروث العراقي.

هناك فرق كبير بين المحافظة على الأمن و منع المندسين من استهداف حياة الأبرياء و ممتلكاتهم وبين التعكز على اجرءات تفوح منها روائح الفتنة و الفشل الأمني على حد سواء، فلو كانت هناك قاعدة بيانات متجددة عن المواطنين و انتماءاتهم لما أحتجنا الى وضع جميع أبناء المناطق الساخنة في دائرة داعش، ولو استندنا الى المواطنة لا الولاءات لما أكتظت السجون بوشايا المخبر السري.

كل أنواع النزوح تمثل نكبة انسانية لما تفرزه من نتائج و ما يتعلق بها من أسباب لكن أشدها وطأة احساس العراقي بأنه غريب في وطنه، لا يستطيع الدفاع عن حقوقه و ليس هناك التزام بالتشريعات رغم كل عناوين حقوق الانسان و المساواة، ليس هينا اشعار العراقي بأنه مستهدف بحكم الانتماء الجغرافي، بعد ان كان ضحية الانغلاق السياسي، و في الحالتين هو الضحية بغض النظر عن نوع التهمة المفبركة، وما يجري من تعامل غير مقبول مع نازحي الانبار يمثل راس الأفعى المطلوب للقضاء بتهمة الخيانة العظمى، فليس كل مسلوبي الارادة داعمين للتشدد مثلما ليس كل الساكتين على الظلم راضين بواقع الحال، الذي يتكأ على التخندق الطائفي أكثر من الوطني.

يعاني العراقيون الخوف و الجوع وانعدام الآمن و تنوع الأمراض، لتتحول النعمتان الخفيتان في الصحة و الآمان الى واقع حال عراقي يستنسخ بعضه حسب الاحتياجات السياسية وقلة المعرفة في ادارة الدولة العراقية، حيث الأعم الأغلب من المسؤولين ما زال يفكر بمزاج المعارضة و الانتقام من مرحلة حكم متشعبة، بينما يحتاج العراق الى عقلية متسامحة ترفض ملاحقة الناس بالشبهات و مؤهلة للتعامل مع المتغيرات بمسؤولية وطنية لا أجندة حزبية، ما يستدعي اعادة النظر بكل اجراءات الطواريء التي أعتمدتها الحكومة السابقة و لم تمنع وقوع المحظور، مقابل حشر الأبرياء بالسجون للترهيب المناطقي و الطائفي لا الخوف على مصلحة الوطن.

لو أسست الحكومات المتعاقبة بعد الاحتلال لشراكة حقيقية و تعامل خارج رحم الطائفية و العرقية لما نُهبت ثروات العراقيين بايدي المسؤولين بلا عقاب، وما كان للارهابيين من سبيل لاستباحة سيادة العراق مع هذا الكم المخيف من الأيتام و الثكلى و المعتقلين، مقابل عملية سياسية تزحف على الجانب،ترهل مؤسساتي للترضية السياسية لا الحاجة الى الاعمار و البناء، ما يتطلب التوقف برهة ليس للانطلاق بنفس العربة بل تغيير مسارات الرحلة و الركاب أيضا، لأن المستهدف هو العراق و آخوة شعبه، التي نتمنى أن تؤسس لها محنة الآنبار قواسم جديدة في التكافل الاجتماعي على أسس الأخوة العراقية لا عناوين الفتن و المؤامرات المحلية، بعد أن توضحت معالم المشهد جيدا بأن الطائفية في العراق مشروع سياسي للتغطية على انعدام شعبية المقامات الكبيرة في مؤسسات الحكم ، التي يفصلها عن الشعب طوابير طويلة جدا من الاهمال و نكران الجميل و تقاسم النفوذ بسطوة المال المنهوب!!

[email protected]