1–ارتبطت اسماء بعض العلوم ارتبطا قويا بأسماء اشهر العلماء فيها فمثلا ارتبط علم الفيزياء باسم اينشتاين وعلم النفس باسم فرويد وعلم الاحياء باسم داروين. ولكن جومسكي هو الرجل الذي احدث ثورة في علم اللغويات . ومنذ تأليفه لكتاب النحو التركيبي يقول ان اللغة البشرية تختلف اختلافا اساسيا من اية وسيلة من وسائل الاتصال الاخرى لأنه افتراضا لو جاء عالم لغوي من كوكب المريخ لقال ان اللغات البشرية هي انواع مختلفة مشتقة من لغة واحدة حيث تشير قدرة الاطفال العجيبة على التعلم السريع والناجح ( بالرغم من كل المعوقات الاسرية غير المقصودة وغير المنظمة) تشير الى وجود جزء سليقي غير مكتسب في الدماغ متخصص في ذلك.
2-وخلال الستين سنة الماضية قام جومسكي مرارا وتكرارا بتغير نظريته . حيث ان من بين ادعاءاته ان بعض جوانب اللغة البشرية يتشارك فيها الانسان والحيوان والجوانب الاخرى جزء من التفكير البشري العام . واخذ يكثر من تركيزه على جوانب اللغة التي يعتبرها تخص الانسان وحده فقط . و قادته كل هذه الافكار الى تأليف كتاب صغير نشر في اواخر السنة الماضية بالاشتراك مع روبرت بيروك وهو من علماء الحاسوب عنوانه ( لماذا فقط لنا) وكان الهدف من الكتاب توضيح تطور اللغة البشرية.
3-هذا الموضوع نفسه تطرق له العديد من علماء الاحياء واللغويون وعلماء النفس ولم يتوصلوا الى اجماع تام .فيما يكاد ان ينعدم هذا الاجماع بخصوص فكرة اللغوين البارزة والتي تقول ان هناك تغير احيائي وراثي فريد من نوعه احدث قدرة سميت( الميرج أو الدمج) في المخلوق المعروف “بروميثيوس” قبل هجرة البشر من افريقيا. كان هذا التغير مفيدا الى درجة انه استمر في البقاء وانتج 7000 لغة ابتداء من الالبانية الى لغة الزولو . ولكن الاختلافات الكبيرة في لغات العالم يقول جومسكي اختلافات لها صبغة خارجية او تاثيرات خارجية
.
4- ولكن ماذا يعني ذلك؟ ان ما يعنيه (الميرج أو الدمج) هو دمج مادتين في الذهن وجعلهما مادة واحدة اكبر وبعدها يجري المرء المزيد من العمليات الذهنية على ذلك كأنهما مادة واحدة .فمثلا (ال) التعريف تدمج مع كلمة قطة لإعطاء عبارة “القطة” والتي تعتبر نحويا تعمل عمل اسم واحد مثل كلمة ماء. ويمكن الاستمرار في الدمج والقول: القطة+ ذات القبعة. ويمكن دمج العبارة الاخيرة مع فعل لإنتاج شيء جديد أي جملة– –رجعت+ القطة+ ذات القبعة وهكذا.
5-ولماذا يكون هذا الامر ذا فائدة؟ من المعروف ان بروميثيوس لم يكن لديه هذا الدمج. ومع من الاشخاص تحدث بروميثيوس؟ و الجميع استخدم تقريبا الدمج هذا ( ربما كان البشر اساسا يجمعون باستخدام الصراخ والاشارات كما كانت تفعل العديد من الحيوانات). ولكن يدعي جومسكي ان اللغة ذات التركيب الهرمي والتي لها القدرة على الدمج لم تخلق في البداية كوسيلة للحديث على الاطلاق. وانما سمحت ل(بروميثيوس) اكتساب افكار بسيطة وركبها بطرق تشبه الجمل في راسه. وقد منحته الافكار المعقدة الناتجة من ذلك فائدة الاستمرار في الحياة. واذا كان الانسان استطاع بعدها ان ينقل مورثة الدمج هذا الى العديد من اطفاله المستمرين في الحياة والذين ينقلوها بدورهم الى اطفالهم يعتقد( جومسكي)و ( بيروك ) اذا تم ذلك ساد الدمج على السكان من البشر في افريقيا. وبعدها ظهرت اللغة فعلا حالما تم استخدام الدمج بنجاح باستخدام اعضاء النطق والسماع.
6-ويصف العديد من العلماء هذه الافكار بعدم الكفاية وعدم الرجحان والاستحالة. ويسخر علماء الاحياء من ظهور مثل هذا التغير الوراثي المفاجئ الذي كانت فائدته كبرى والذي سموه بنظرية ” “وحش المتأملين” لان التطور في معظمه يحدث بشكل تدريجي ويشمل مفعوله العديد من المورثات وليس مورثا واحد فقط. قد تكون قدرة الدمج موجودة عند الانسان لكن هذا لا يوضح لنا سبب ظهور الدمج في بعض الكلمات وعدم ظهوره في البعض الاخر. والانكى من ذلك يختلف الدمج في لغات العالم بشكل كبير .( ولم يرد في كتاب جومسكي وبيروك ذكر امثلة من لغات اخرى غير الانجليزية او ذكر اية لغة اخرى في الفهرست)
7-ويقول جومسكي ان الذين يختلفون معه في فكاره هذه المشاكسة والمثيرة للخصام اما عميان او غير شمولين . ولا يرغب النقاد في تحديه او دراسة اعمال العلماء غير الموافقين لآرائه بشكل جدي حيث قال احد النقاد: لو هاجمني جومسكي بعنف اعتبر ذلك شهادة شرف لي. وينقسم علماء اللغة بين مؤيد ومعارض لا راء رائد علم اللغة. وليس من المحتمل ان ينتهي المطاف بجومسكي مثل فرويد احد علماء علم النفس الذي لازال الناس يرددون افكاره . ولكن اكثر ما يحتمل ان ينتهي مشوار جومسكي مثل ما انتهى مشوار اينشتاين. على الاقل لما جاء به من اعمال في مقتبل مشواره العلمي .