ربما يتساءل الكثيرون عن الاسباب التي أدت الى استشهاد القادة الشهداء الجنرال سليماني والمهندس ( رض) بهذه السرعة والدقة وتحديد المكان والزمان مع انهما قائدين محنكين وعسكريين مخضرمين وهم بطبيعة الحال يجب ان يتمتعا باعلى درجات الحيطة والحذر والمناورة على الارض وخاصة في ظرف عصيب مر به العراق والعاصمة بغداد حينذاك وسيطرة المد الجوكري البعثي على الرأي العام والشارع والاعلام فيكون لزاما ان يتخذ القادة الشهداء الحذر اضعاف مضاعفة مع وجود تهديدات امريكية خبيثه على طول الخط في حين ان العدو الامريكي ليس باستطاعته تحديد مكانهما وتحركاتهم بدقة متناهيه .
يعزو بعضهم السبب في ذلك إلى قلة خبرة القادة الشهداء الاستخباراتية وعجزهم مثلا من السيطرة على الموقف انذاك او الدرايه الكافية بما يحيط بالمطار او بالسماء العراقية فتركوا المجال مفتوحا لعدوهم حتى تغلب عليهم بضربة جوية مركزة .
وهذا الراي فيما يبدو سطحي ليست له أية صبغة من التحقيق وذلك لعدم ابتنائه على دراسة الاحداث بعمق وشمول فلو نقوم بدراسة المجتمع العراقي وما هي ميزة الاعم الاغلب وما مني به من التناقض في سلوكه الفردي والاجتماعي ونصرته للظلمة بغير وعي ودرايه لكان لنا رأي اخر في الجريمة واسبابها .
ولا بد لنا أن نتحدث بمزيد من التحقيق عن طبيعة المجتمع العراقي والبغدادي بصورة خاصة فانه المراة الذي تنعكس عليه الاحداث الهائلة التي لعبت دورها الخطير في التاريخ السياسي وان نتبين العناصر التي سكنت بغداد وننظر إلى طبيعة الصلات الاجتماعية فيما بينهما والحياة الاقتصادية التي كانت تعيش فيها فان البحث عن ذلك يلقي الاضواء على سرعة حدوث جريمة المطار والعوامل المساعدة والمهيئه لها كما يلقي الاضواء على التذبذب والانحرافات الفكرية التي مني بها هذا المجتمع والتي كان من نتائجها ان استشهد القادة الشهداء على ارض بغداد وبدون اي ردود افعال عملية او حتى نظرية والى الان وهذا يوحي بأن الموضوع كأنه لا يخص المجتمع البغدادي بينما ضحى القادة الشهداء بدمهم الطاهر من اجل بغداد وغير بغداد .
والظاهرة الغريبة في المجتمع العراقي عامة والبغدادي خاصة هو أنه كان في تناقض صريح مع حياته الواقعية فهو يقول شيئا ويفعل ضده ويؤمن بشئ ويفعل ما ينافيه والحال انه يجب أن تتطابق أعمال الانسان مع ما يؤمن به ويذكرنا موقف اهل العاصمة بغداد من المسيرة الاخيرة لاستذكار القادة الشهداء وعدم مشاركتهم الواسعة فيها او حتى نصرتها او التعاطف معها بقول الشاعر الفرزدق الذي وصف نفاق اهل الكوفة حينما ساله الامام عن أهل الكوفة فقال له :
(خلفت قلوب الناس معك، وسيوفهم مشورة عليك ) .
وكان الواجب يقضي أن تذب سيوفهم عما يؤمنون به وان يناضلوا عما يعتقدون به ولا توجد مثل هذه الظاهرة في تاريخ أي شعب من الشعوب للاسف الشديد .
ومن غرائب هذا التناقض ان المجتمع البغدادي بذات الخصوص قد تدخل تدخلا ايجابيا في المجالات السياسية وهام في تياراتها فكان رأيه في وقت ما مع فتوى الجهاد الكفائي الذي اطلقته المرجعية العليا في النجف الاشرف وتعاطفوا معها تعاطف ايجابي وفعال وقد كانوا يخاطبون الحشد الشعبي وفصائل المقاومة وقادة النصر الشهداء لينقذوهم من عصابات داعش الارهابي التي كانت تبعد عن العاصمة بغداد ما يقارب ال ٤٠ كم وبطشهم واستنصروا الجارة المسلمة ايران ولما بعثت إليهم الجمهورية الاسلامية في ايران بالاسلحة والمعدات وباشراف الجنرال الشهيد سليماني وباوامر من الولي الامام السيد الخامنئي قابلوا هذه الخطوة بحماس بالغ وأظهروا الدعم الكامل والتفاعل والشكر والثناء ولكن بعد ما انجلت غمة داعش الارهابي وتحرر العراق على يد ابطال الحشد الشعبي المقدس وقادته الشهداء جاملوا السفارة الامريكية بكل طرح واعلام ملفق وتفاعلوا مع الجماعات الجوكرية والبعثية التي هتفت ضد ايران الاسلام في ساحة التحرير فيما بسمى بتظاهرات تشرين !!
والتي هيئة الارضية لامريكا للنيل من القادة الشهداء ودخلوا ابان حدوث جريمة المطار بيوتهم واقفلوا عليها وراحوا يقولون :
(ما لنا والدخول بين السلاطين ) فهي حرب بين امريكا وايران !! ولا نريد العراق ساحة للصراع والحرب الاقليمي !!
ان حياة ساكني العاصمة بغداد العملية لم تكن صدى لعقيدتهم التي آمنوا بها فقد كانوا يمنون قادتهم بالوقوف معهم ثم يتخلون عنهم في اللحظات الحاسمة .
ومن مظاهر ذلك التناقض انهم بعدما تسببوا في تظاهراتهم التشرينيه وهتافات ( ايران بره بره ) بقتل القادة الشهداء وتأجيج الرأي العام ضد الجمهورية الاسلامية في ايران
اصبحوا يقولون كيف لامريكا ان استطاعت بهذه السرعة استهداف القادة وتحديد اماكنهم .
ان فقدان التوازن في حياة ذلك المجتمع جر لهم الويلات والخطوب والقاهم في شر عظيم والتي لازالت ترافقهم الى الان .
ان حديث ووصف امير المؤمنين (ع) الى قوم معينين في العراق بقوله :
( اسود رواغة وثعالب رواغة) وكذلك قول الامام الحسين ( ع) ( غدر فيكم قديم وشجت عليه أُصولكم، وتأزرت فروعكم، فكنتم أخبث ثمر شجٍ للناظر، وأكلة للغاصب) .
نعم انها صفة الغدر فلا يمكن ان يفي اي وصف اخر لموقف اهالي العاصمة بغداد وبعد مسيرة استذكار القادة الشهداء الاخيرة وعدم نصرتهم لها او المشاركة فيها او حتى التفاعل معها غير هذا الوصف والعجيب ان راح الكثير منهم لممارسة يومياته وحياته الطبيعة والرقص وسماع الاغاني والرياضة وفتح المحال بينما هنالك تظاهرة تستذكر القادة الشهداء وتندد بالاجرام الامريكي حضرها جمع من المؤمنين والمؤمنات الغيارى وسجلوا موقف ثوري وجهادي يحسب لكن حظر وشارك وهتف وندد وجاء قاطعا المسافات البعيدة للمشاركة .