23 ديسمبر، 2024 3:53 ص

غدرٌ مقصودٌ أماشتباك بالأيدي؟!

غدرٌ مقصودٌ أماشتباك بالأيدي؟!

أول الكلام:
أن يُغدر الإنسانُ أو يُغدر به أي أن يُأخذ على غفلة منه. وأن يستدرج الإنسانُ الإنسانَ ثم يُدفع به الى الهاوية فيهلك هو الغَدْرُ بعينه، والعرب تَعتبر الغدرَ رزية وزريئة معاً لأنها تدل على النذالة والخِسّة والجبن وانعدام المروءة؛ والنداء عند العرب “يا غُدَر” يُعَدُ من أقذع الشتائم، والقول العراقي السائر يعبرعن الحالة: ياغافلين إلكم الله..
وقال سعيد بن حميد:
جعلتُ لأهلِ الودِّ ألا أريبَهم –

بغدرٍ، وإن مالوا إلى جانبِ الغدرِ
وأن أجزي الودَّ الجميلَ بمثلِه –

وأقبلُ عذرًا جاء من جهةِ العذرِ (4)

وفي الحق ماأردت أن أطرق هذا الموضوع الذي كتب عنه الكثيرون وشرّقوا وغرّبوا.. لأننا نُصبح ونمسي على إراقة الدم العراقي الذي غدا رخيصاً، وإزهاق الروح في ديارنا متنوع بأساليب شتى فلسنا ناقصين.. إنما بقيتُ مشدوداً كغيري لحدث فيه غرابة وجريمة مُفزعة بين دولة وبين مواطنها الذي هو نتاجها رجل إعلامي تسنم مواقع سامية فيها حتى الأمس القريب، ولم ينسلخ منها بل ظل يدافع عنها وعن جريمتها الكبرى في حربها وأخواتها على اليمن، سوى أنه طالب بتوسيع الحريات لا غير! ولا يُعدُّ ولا يَعِدُّ نفسَه معارضاً، والأنكى أن مسرح الجريمة الغادرة في قنصلية أرِيد لها خدمة المواطنين في الغربة وقضاء حوائجهم لا إزهاق أرواحهم.. فهل هناك ما هو أخسّ من هذا؟!
***
قبل نصف ساعة قرأت ماتناقلته وكلات أنباء موثوقة عن بلاغ النيابة العامة السعودية عن واقعة اختفاء الاعلامي جمال خشُقجي، بعد ترقب وانتظار.. وما رأيت قولاً ينطبق على هذا البلاغ سوى قولين عربيين مأثورين: أولهما تمخض الجبل فولد فأراً؛ وثانيهما: العذرُ أقبح من الفعل.
فحوى البلاغ: أن شجاراً ثم اشتباكاً بالأيدي حصل بين المواطن جمال خشقجي وبين مواطنين(؟) في القنصلية السعودية في اسطنبول أفضى الى موت جمال وأودعت القنصلية جثمان الضحية الى أحد مكاتب الدفن في اسطنبول! وتعد الحكومة ممثلة بالملك سلمان بن عبد العزيز وابنه وصي العرش محمد اللذين لا يعلمان عن الواقعة شيئاً بمحاسبة المسؤولين..وأجرت تغييرات بنقل وفصل بعض المسؤولين الكبار عقاباً نكالا على خلفية الواقعة!!
أي استهانة بعقول الناس وأي غباء هذا الذي يتصور أن الناس ليس لديهم عقول تفكر! هناك مثل مأثور: أغبى الأغبياء من يتصور أن الآخرين أغبياء!
لحد قبل يوم من هذا التصريح كانت الحكومة السعودية تنفي أن جمالاً اختفى بها وتُصرّ على أنه خرج بعد عشرين دقيقة من إكمال معاملته وتزويده بما أراد! ويبدو أن ولي العرش الشاب المغرور محمد بن سلمان تصور أن كل شيء يتم بالملايين والمليارات البترودولارية ولم يحسب حساب للصحافة الحرة بما في ذلك الواشنطن بوست التي يكتب المغدور جمال خشقجي عموده فيها! ونسي أن هناك منظمات حقوق إنسان لا تباع وتشترى، وإن في العالم ضمير جمعي عالمي مازال نظيفاً.. فلا زالت دول الخليج الحديثة النعمة محكومة بعقلية الأعراب الأجلاف التي ترى نفسها أنها تشتري العالم بفلوسها بمثل ما تشتري القصور المنيفة واللوحات النفيسة ونوادي الرياضية العالمية واللحوم الشقراء البيضاء!
هناك نكتة بطلها الكوميديان المصري اللاذع أحمد غانم: أنه د خل محفلاً غنائياً واشتهى أن يغني فوزع نقوداً على أصحاب النادي والفرقة الموسيقية والجمهور القليل.. ووقف يغني بصوت أجش وبرباطة جأش فاحتج احدهم، فأجابه الفنان أحمد غانم: أنا أغنّي بفلوسي!!!