22 ديسمبر، 2024 9:17 م

غاليليو وغبيان الدين

غاليليو وغبيان الدين

في العصور القديمة المظلمة، كان الاعتقاد السائد لدى العامة ورجال الدين، ان الارض ثابتة في مركز الكون وان الشمس هي التي تدور من حولها، وذات يوم ظهر رجل اسمه كوبرنيكوس، قال كلاماً غريباً نفى فيه ثبات الارض، ورفض فيه انها مركز الكون، وزعم انها هي التي تدور حول الشمس. وثارت بالطبع ثائرة الكهان في اوروبا وعلى رأسهم الفاتيكان، ومات كوبرنيكوس قبل ان تنتصر افكاره حتى جاء رجل من بعده اسمه غاليليو غاليلي، كان قد اشتري وهو عابر بأسواق هولندا تلسكوباً بدائياً، طوره، وراح ينظر من خلاله الى الفضاء الكوني وأكتشف به اسرار كوكب المشتري وأذهل علماء اوروبا البارزين في عصره بما كان يذيعه عليهم من غوامض الكون ومكونات الكواكب والنجوم، واخذت مكتشفاته يومها ثورة عاتية عصفت بما كان قد استقر او ما كان مطلوباً له ان يستقر من افكار ونظريات ومفاهيم.

ومادت الارض من تحت اقدام رجال الدين (الغبيان) من الكرادلة والرهبان واصحاب محاكم التفتيش، وكان هو يتصور ان الحقيقة يمكن ان تتغلب بالبرهان على الخطأ، وان الواقع يمكن ان ينتصر بالدليل على الوهم، وان الصدق يمكن ان يتفوق بالحجة على البهتان.

كان يقول في المسرحية التي قدمها عن حياته برتولت بريخت- ما من انسان يستطيع ان ينظر إلي وانا اسقط حجراً ثم يقول ان الحجر لم يسقط.ان اي انسان يعجز عن ذلك… ان الاغراء الذي يشع من البرهان، اغراء بالغ القوة. معظم الناس يخضعون له دون توان. أما الكل فيخضعون له مع الزمن-.

وكان يعتقد انه حتى الذين يدافعون عن الباطل لا بد لهم من ان يصدقوا عيونهم في النهاية. – سأشدهم من اعناقهم واضعهم امام التلسكوب، القساوسة أناس ايضاً يا ساجريدو، هم ايضاً يخضعون لاغراء الدليل. ان كوبرنيكوس، ولاتنسى ذلك، كان قد طلب منهم ان يصدقوه، اما انا فسوف اطلب منهم فقط ان يصدقوا عيونهم، عندما تكون الحقيقة عاجزة عن الدفاع عن نفسها يلزمها ان تنتقل الى مواقع الهجوم، سأمسك بتلابيبهم واجبرهم على النظر من خلال التلسكوب-.

وظل غاليليو يصرخ بقوانينه الجديدة في وجه القساوسة والكرادلة والرهبان والامراء واصحاب السمو، ولكنهم لم يعيروا مكتشفاته انتباهاً الا بقدر ما تمس ما أستقر من نظامهم وافكارهم ومفاهيمهم، وحينذاك عقدوا المحاكم الوثنية ووضعوا امامه آلات التعذيب واجبروه على الانكار العلني لحقائق الكون التي رآها بعينه، ووضعوه رغم ذلك حتى آخر حياته في ظلمات السجن، حيث كتب في السر كتابه الخالد – المحاورات- الذي هرّبه تلميذه الى الخارج، وكان

اللبنة الاولى في تأسيس علم جديد للطبيعة – ان ما اهدف اليه هو ان اؤسس علماً جديداً كل الجدة يعالج موضوعاً قديماً كل القدم، وهو الحركة. وقد اكتشفت من خلال تجاربي بعض خواص الحركة التي تستحق ان تعرف..-.

لم يتنازل غاليليو عن افكاره ومكتشفاته الا لكي يحمي حياته وينقذ ايامه من أيدي القتلة والسفاحين من رجال الدين الغبيان حتى يواصل بحوثه العلمية رغم ما جرّه عليه هذا الموقف من انكار اصدقائه وتلاميذه له.

كان يقول لهم في البداية – ايها السادة ان مشاهدة الكواكب الكبيرة وهي تتحرك ليست هي التي ستوقظ ايطاليا، انما الذي سوف يوقظها هو معرفة ان النظريات المقدسة قد بدأت تهتز… وكل انسان يعرف ان هناك نظريات كثيرة في هذا الوضع. ايها السادة لا تدافعوا عن نظريات محتضرة- .

غير ان احداً منهم لم يصغ اليه. والملك والمصلحة فوق الحقيقة والمعرفة والصدق. وعندما قال له احد تلاميذه وهو يشهد لحظة الانكار المأساوية متمنياً عليه ان يستشهد- تعيس هو البلد الذي ليس فيه ابطال- التفت اليه غاليليو بعد برهة وقال له وحزن الجبال بضغط على صدره- بل تعيس هو البلد الذي يكون دائماً في حاجة الى ابطال-.

*[email protected]