23 ديسمبر، 2024 4:47 ص

غادرنا صبري من دون ان نودعه

غادرنا صبري من دون ان نودعه

ما كنت اتمنى ان يموت صبري قبلي ، ولا كنت اتوقع منه ذلك . فالذي يعيش في الخارج بعيدا عن جحيم العراق ، يتوقع له من هم في الداخل عمرا طويلا لأنه على الأقل لم يتجرع القهر والعسف وهدر الكرامة الذي يلاقيه من لم يغادر الوطن .
كنا ، قبل سنوات بعيدة ، انا وصبري ، نجلس وتمتد بنا الاحلام الى بعيد ، حيث كان ( ابو رغيد ) يقول لي : الى سنة 2020 او بعدها سنظل شبابا ، وكنت اوافقه ، و معه اتطلع الى ابعد من ذلك .
ما كنا ، انا وصبري ، نصدق بأن الدنيا سترينا الفواجع ، فصبري وأنا مثله كنا نفكر ببيت ملك ومزرعة صغيرة وأسر محبة وبنات جميلات يتسابقن مع أمهن في خدمتنا .
وفجأة ، غادر ( ابو رغيد ) العراق ، ولم اصدق ذلك حين سمعت منه همسا ، بأنه سيقضي بضع شهور ، بأنتظار ازاحة الطغيان ، وبعدها سيعود ، ونعود الى جلساتنا واحلامنا البسيطة المتواضعة وطال غياب ( ابو رغيد ) وكنت اتوقع حضوره كل يوم ، لأني اعرفه محباً لبغداد ، ولا يستطيع البقاء حتى ولو في الجنة بعيدا عنها .
مرت الشهور ، ومن بعدها الاعوام ، وصبري الربيعي لم يعد ، واكتفى بالمحادثات التلفونية ، وكانت دقائق التحدث اليه تكفي لإعطاء الامل بأن صبري سيعود ، وان الدنيا ستتغير .
مرة ، ارسل لي ( ابو رغيد ) كتابا عن ذكرياته ، وقرأته حرفا حرفا وفرحت به ، ولكن في قرارة نفسي كنت على يقين بأن( أبا رغيد) ينعى نفسه في هذا الكتاب ، ويودع احبته وأهله .
أمس الأول ، قرأت على صفحة ( كتابات ) خبرا عصر قلبي عصرا ، فقد توفى العزيز صبري من دون وداع او حتى اترك قبلة على جبينه .
حزنت كثيرا ، وتألمت كثيرا ، وحاولت ان أقنع نفسي عبثا بأن الرجل قد استراح ، لأنه وحتى وإن كان في الخارج مازال وجع العراق يثقل قلبه .
صبري ، مات ، يرحمه الله ، ولا ادري هل انا ارثيه أم ارثي نفسي وأصدقائنا الذين ما زالوا أحياءَ. وفي قرارة نفسي فأنا على يقين ، بأننا جميعا أموات ، وكذلك العراق الذي مات قبلنا منذ سنوات وتركنا نعاني الأمرين من بعده .
رحم الله صبري .. ورحمنا من بعده .. ورحم العراق والعراقيين .. وإنا لله وإنا إليه راجعون.