23 ديسمبر، 2024 4:04 ص

ع السريع : العملية السياسية في صالة العمليات !

ع السريع : العملية السياسية في صالة العمليات !

نراعي الإعتبارات الذوقية للجمهور منْ أنّ مجرّد التطرّق او ذكر ” العملية السياسية ” قد بلغ اقصى درجات المَلَل من كلّ المِلَل والنحل في الداخل والخارج , بل أنّ رائحة هذه العملية صارت تزكم الأنوف بالرغم من أنّ قادتها يستخدمون العطور الباريسية الأغلى ثمناً .

وقد اضطررنا هنا للأشارة لهذه العملية المجروحة والملوثة جرّاء وازاء تكاثف الحديث الرسمي عن حملة مكافحة الفساد , والذي يعتبره البعض امتصاصاً لردّ فعل الجمهور الغاضب , بينما يعتبره البعض الآخر محاولة فاشلة من رأسها الى قدميها , بينما ايضا قد لا ينبغي اطلاق الأحكام المسبقة والمطلقة لتوجهات رئيس الوزراء في حملته هذه , رغم الأدراك والتصورات المسبقة المتضادة مع احتمالاتٍ مفترضة او خيالية لأية نسبةٍ من النجاح , لكننا هنا ومن اضيق الزوايا نقول أنّ الكشفَ عن مسؤولٍ فاسدٍ واحد وتعريته بالكامل أمام اضواء الإعلام فهو خيراً من عدم الكشف عن بقية الفسدة , ولو حتى جعله ككبش فداء بدلاً عن اعضاء زمرته الآخرين , فذلك الفاسد الواحد المفترض قد يعرّض حياة الناس الى الخطر او الموت بسبب مصالحه الضيقة والدنيئة .

ثُمَّ , خارج نطاق هذه السفسطة الأفتراضية ولعلها شبه مقبولة نسبياً.! , وإذ على مدى نحو15 عاماً ورؤساء الرئاسات وقادة الأحزاب يعلنون ويصرحون بأعلى اصواتهم عن ضرورة مكافحة الفساد , بينما الفساد ساد وازداد , ودونما اعادة استشهاد بما يجري في عمليات تهريب النفط < على الأقل > التي تعجز القوى الأمنيّة والعسكرية من مواجهتها ووقفها , فبات من شديد الوضوح واللمعان ! للجمهور وللرأي العام العربي والعالمي , بأنّ الفساد متوطّئ اصلاً داخل العملية السياسية وقد انبثقَ ونما ثمّ استفحل من قِبَل ولدى قادة واعضاء العملية السياسية انفسهم ” دونما تعميم ” , وإلاّ من الذي يتجرّأ على تحدي الدولة واجهزتها الأستخبارية في ادخال المخدرات الى البلاد ومن اوسع الأبواب .!

ثُمّ ايضاً ماذا لمس الجمهور العراقي طوال هذه السنوات العجاف من هذه العملية السياسية السامّة سوى سرقاتٍ على اعلى وارفع المستويات ” وزير التجارة السابق عبد الفلاح السوداني ” كأصغر انموذجٍ مكشوف , وسيطرات لا تكشف المفخخات والمفخخات تزهق الأرواح ودور العبادة وسواها , ولانبتغي هنا إعادة سرد مجريات العملية السياسية جرّاء ما شهده المجتمع العراقي إبّانها من عمليات خطفٍ واغتيالات الكواتم والعبوات الناسفة نسفاً و” العاصفاتِ عصفا ” من شدّة العصف .! , وكذلك لا نود العودة الى الأرشيف غير المؤرشف من عُمر هذه العملية وما جرى وما برحَ من تضييق الخناق على حرية التعبير وقمع تظاهرات واعتقالات سواءً من قبل الأجهزة الأمنية او غيرها .! , فكلّ ذلك ومشتقاته ومرادفاته اضحى راسخاً ومن المسلّمات في الذاكرة والرؤى الجماهيرية العراقية , ولا ينبغي إعادة عرض تراجيديا نكث الجروح التي لم تلتئم بعد .!

منَ القناعة الذاتية والمترسخة او المتجذرة في رؤى القيادة الحالية للدولة وبضمنها قادة الأحزاب الدينية ” من كلا الصوبين ” , بأنّ حشرة الأرضة السياسية والمالية تنخر بعنفٍ في هيكل وجسد واطراف العملية السياسية , وما يصاحب هذه الحشرة من فيروساتٍ وميكروبات نتحفّظ على ذكر اسمائها , فيبدو أنّ هذه القيادة الحالية للدولة تستصعب القول او التصريح ” حتى لأغراضٍ دعائيةٍ او اعلاميّة ” ببدء او الشروع بالمرحلة الثانية او مرحلةٍ جديدة من العملية السياسية وبأثوابٍ والوانٍ مختلفة ! , ومؤدّى ذلك لحقيقة الأدراك بأنّ اعضاء ومنتسبي عموم هذه العملية السياسية هم ذاتهم في اية عملية اخرى افتراضية , وانهم قد تجذروا وانفرضوا على المجتمع العراقي برمّته , وبدعمٍ دوليٍّ واقليميٍّ شديد الوضوح , ولعلّ الأهم من ذلك بقوّة اسلحتهم او فصائلهم المسلحة التي تفوق بتسليحها اسلحة الجيش العراقي وبأعترافٍ صريح من قادة هذا الجيش .

ولا ندري ما هي ماهيّة الرسالة التي تحملها لنا الأنواء والأجواء الحالية وما تؤشر فيها من نُذُر الفيضانات وغرق مدنٍ ومناطقٍ وقرى .! , فاصحاب العملية السياسية اجادوا في وضع العراق في عالم المجهول , وهذه العملية غير قابلةٍ للشفاء ولا يمكن الشفاء منها في المدى المنظور .!