هل اندثرت الاعراف والتقاليد والاخلاق والموروثات الشعبية العريقة القيمة عند العراقيين؟ بغض النظر عن الاعراق او الطوائف التى تشكل الوان الطيف العراقى الجميل،ان كانت الاجابة : نعم !!! فتلك مصيبة كبرى ينبغى ان ينتبه لها و يتدارسها المختصون من علماء الاجتماع ورجال الدين والسياسة والمؤسسات البحثية المختصة بتطورالمجتمعات ليعرفوا اسبابها، وتداعياتها على الفرد والمجتمع
ويستنبطوا الوسائل الناجعة ، لايقاف هذا
التدهور في الاخلاق والاعراف التى تربت عليها الاجيال طيلة عقود طويلة ماضية ان لم نقل قرون وترسخت في وجدانهم وضمائرهم و موروثهم الشعبى ، واصبح مضرب للامثال بين شعوب المنطقة في التلاحم الاجتماعي والالفة، واحترام الكهل الكبير والعطف على الصغير الضعيف، وتهيأة فرص العيش الكريم لمن افنى عمره في خدمتنا حتى أوصلته خدمته و كبر سنه الى مرحلة التقاعداومرحلة الاستراحة والاستقرار كما تسمى عندالبعض الاخر، حتماً غيرنا !! لتكون حياته بعدها مستقرة رغيدة هادئة للسنين الباقيات من حياته،
في الغرب الذي نَدعى ظلماً انهم يفتقرون الى الالفة بين اجياله، واكثرنا مخطؤن في هذا !! حينما يحال احدهم الى التقاعد فان الموقع الذي يعمل فيه يقيم له حفل خاص بهذه المناسبة، تلقى فيهاالكلمات التى تشيد به وبخدماته واخلاقه،ويحضرها
من هو في ارفع موقع وظيفي ويتنافس زملاؤه في العمل لإلقاء كلمات المديح والاشادة به وإغداق الهدايا عليه وتمنى أسعد الايام له بعد الاحالة على التقاعد، ويكون قسم الادارة في الموقع الذي يعمل فيه قد أكملت جميع الإجراءات التى تسبق المرحلة الجديدة، وصرفت له مستحقاته عندها التى تسبق الراتب التقاعدي وليس علي المتقاعد سوى إنتظار رسالة أوإشعار مؤسسة التأمينات الإجتماعية أو الضمان الاجتماعى التى لا تتجاوز بضعة اسابيع تؤكدله بأن مستحقاته التقاعدية الشهرية قد حولت الى رقم حسابه في البنك الذى يتعامل معه وهكذالكل شهرقادم ويستطيع الاخذ منه اينما كان ووقتما يشاء بواسطة بطاقة الإئتمان التى بحوزته، دون تكبد اية مشقة تذكر كألانتظار أو المدافعة والمزاحمة أوالسؤال من هذا أو ذاك،
ودائماً تكون المستحقات الشهرية للشخص المحال على التقاعد بمستوى المعيشة المشَّرفة لمن خدم بلده في أي موقع كان وبنسبة لا يقل عن (80%) عن ما يتقاضاه اقرانه الذين لا يزالون فى الخدمة .ونراه في الايام والاشهر والسنين اللاحقة في ابهى حلة يمشى في الحى الذي يعيش فيه بين من يعرفونه مذ كان مواضباً على عمله لسنين طويلة.
والصورة مختلفة جذرياً في بلادنا ولا ادرى لماذا لم يتطرق اليها اىٌ من رجال الصحافة والاعلام المختلفة في هذا البلد الذى يعج بها، او منظمات حقوق الانسان والمنظمات التى تدَّعى الدفاع عن هؤلاء المساكين ومن في شاكلتهم الذين غدر بهم الزمن اضافة الى غدر بنى جلدتهم لهم.
لو تكرم احدهم وتواجد او راقب ما يحدث في يوم استلام الراتب التقاعدي في اي مصرف او دائرة او مكتب بريد مختص بهذا الموضوع لرأى العجب العجاب لرأى رجالاً كهولاً ونساء عجائز بعضهم على الكراسي المتحركة واكثرهم بعكازات تسند طولهم ، فيهم من كان المعلم والطبيب والعسكري والمهندس والموظف والعامل والمدير ذكوراً وإناثاً، وهم جميعهم بملابس بالية وعوينات معطوبة واحذية مهترئة وشعور منفوشة وكأنهم خارجون لتوهم من زلزال او عاصفة قوية ضربت البلد، أو جىء بهم من المعتقلات الجماعية في زمن النازي.
وانا كان لى الشرف في مراقبة ذلك، وكان ذلك بالصدفة البحته، حيث كنت في زيارة لصديق قديم اصر ان ازوره فى مكان عمله، ورأيت ذلك بأُم عيني وفي معمة كل الهرج
والمرج والصخب روى لى هذا الصديق انه كان هناك مدير جديد في اول يوم عمل له في احدى هذه الامكنة بعد نقله من وظيفة اخرى.وعندما تعالت اصوات المراجعين من هؤلاء المتقاعدين . سأل الحاجب المختص بغرفته (حيث لكل موظف كبير حاجب او اكثرامام باب غرفته) سأله: ما هذا الصخب و الاصوات والزحام ؟ اجابه الحاجب انهم المتقاعدون الذين يتكدسون كل اول الشهر ليقبضوا رواتبهم التى لا تتعدى بضعة مئات من الالوف كل شهر. رد عليه المدير الجديد: كل هذا الهرج من أجل مئة اومئتى الف فقط !!!! انها لاتكفى ثمن وجبة عشاء لثلاثة اواربعة اشخاص في مطعم فاخر.!!
وقد صَدقَ هذا المدير وليس غريباً ان يكون جاهلاً بهذه الاوضاع الانسانية لانه لم يمر بهذه المرحلة بعد واكيد ليس في محيطه احد من المتقاعدين على شاكلة هؤلاء ،او انه قادم من بلد اخر او دولة اخرى فيها اوضاع المتقاعدين تختلف عما هي عندنا. ولكن ما باليد حيلة، وعلى هؤلا المتقاعدين المساكين ان يدبروا أُمورحياتهم كلها طوال شهر كامل بهذا المبلغ الوضيع الذي من المؤكدانه تبقى امور حياتية كثيرة مطلوبة وضرورية ولكن يجب تأجيلها.
وينتظرون في طوابير طويلة لا تنتهي لاستلام مئتى الف اواكثر قليلاً من الدنانير التي لا تعادل في احسن الاحوال (200) دولار امريكي وهذا هو معدل الراتب التقاعدي لأكثر من (60%) من متقاعدي العراق وذلك بعد الزيادة الاخيرة.
و مقارنة الرواتب الشهرية للسادة النواب والوزراء والمدراء الموقرين وغيرهم لشهر واحد برواتب هؤلاء المساكين لوجدناها تعادل رواتب معظم شرائح المتقاعدين لاربعة سنوات او اكثر.
اين هى العدالة الاجتماعية التى نتبجح بها ونحن نرى كل هذا الخزي والعار الذي اصطنعناه وانزلناه على رؤوس المساكين من هذه الشريحة الاجتماعية المهمة او غيرها ولكننا لا نحس مطلقاً بحجم الفجوة التى أوجدناه بين المواطنين ، الفجوة التى تكفى لتبتلع كل من في قدرته العدل ولا يعمل من اجل احقاقها، من مسؤولى هذا البلد الذي ينتمي اليه هؤلاء المساكين الذين ينتظرون الفرج من قانون التقاعد الموحد الجديد الذى سيضيف بضعة الوف اخرى من الدنانير التى لا تسمن ولا تغنى من جوع ، الى مستحقاتهم الشهرية التى لا تساوى (30%) من رواتب اقرانهم في الخدمة ممن لا تقل خدمتهم عن (25) سنة، ماذا سيفعل هذا المبلغ المسكين (400,000) الاربعمئة الف دينار (وهو الحد الادنى المقترح لرواتب المتقاعدين في القانون الجديد يضاف له بضعة الوف عن سنوات الخدمة) هل ستكفى للايجاروالماءوالكهرباء ام للطعام ام للملابس ام للمواصلات والتنقل ام للاطباء والادوية. ام و ام. الخ الخ واغلب المتقاعدين ان لم نقل كلهم يعانون الامراض المزمنة التى تستوجب المراجعات الكثيرة للاطباء، ناهيك عن اسعار الادوية التى يحتاجونها كل يوم. هل هؤلاء لا يحتاجون التكريم والرعاية ؟ الرعاية بكل أشكالها،؟ والرعاية الصحية على وجه الخصوص وهو واجب علينا تجاههم وهو حقهم وليس مِنَّةٌ من احد، لانهم إمّا إخواننا أو أخواتنا أو اباؤنا او امهاتنا اواعمامنا او عماتنا او اخوالنا او خالاتنا او معارفنا وجيراننا او سكنة احيائنا ومدننا. وقد خدمونا وضيعوا زهرة شبابهم في خدمة هذا البلد ليرقوا به .
ام انهم غرباء مجرمون قد اقترفوا ذنوباً بحقنا وبحق بلدنا تستوجب معاقبتهم ؟ ، أم هم ارهابيو ن قتلة لزامٌ علينا اهانتهم وتوبيخهم، ونجبرهم على التجمع الشهرى امام اماكن استلام مستحقاتهم ، كعقوبة شهرية دورية واهانة مستوجبة ،
وهم بتلك الهيئة المزرية التى لاتليق بأبناء هذا البلد خاصةو هم من يرجع لهم الفضل الاكبر فيما نحن فيه ولا يخجل مسؤلونا من مشاهدتهم لهؤلاء بهذ الصورة المشينه ونحن نعيش في بلد يطفو على بحيرات بل بحار من النفط والغاز واشياء اخرى، وبميزانيات سنوية خرافية تفوق ميزانيات اغنى الدول، ونعامل من افنوا عمرهم وسنوات شبابهم في خدمتنا في أي موقع كانوا،بهذه الصورة المهينة التى لا تليق حتى بالحيوانات فما بالك بالبشر ، وبمن ندين لهم بما نعيش فيه الان.
ألا يفكر القادة والسياسيون بصيغة تعيد البسمة الى وجوه هؤلاء والكرامة الى نفوسهم المجروحة من ظلم الاقربين، ليشعروا بشىء من القيمة الانسانية ، الا يفكرون باسلوب يخفف عنهم المعانات الشهرية باستلام مستحقاتهم التى هم بأمس الحاجة لان تكون هذه المستحقات بمستوى تجعل حياتهم في مستوى معيشة ابسط الناس.
وطريفة اخرى من العراق الديمقراطى جداً. يرويها المتقاعدون في إقليم كوردستان ولا يعرفها سواهم لان المتقاعدون من سكنة اقليم كوردستان هم ابطالها والقصه هى كالاتي:
بعد شد وجذب كبيرين ومناقشات عقيمة ومهاترات وسجالات لم تجدي نفعاً بين مختلف فرقاءالعملية السياسة تحت قبة البرلمان و بقدرة القادر تم أقرار موازنة
( 2013 ) بعد انقضاء اكثر من ثلاثة اشهر من بدأ السنة المالية الجديدة ، ولم يكن قانون التقاعد الموحد قد اكتملت كل مراحله ليقر ، عليه قرر مجلس الوزاء الاتحادي صرف منحة قدرها(1200,0000) مليون ومائتى الف دينار لكل متقاعد يقل راتبه التقاعدي عن (400,000 ) اربعمائة الف دينار تدفع بمعدل (100,000 ) مائة الف دينار شهرياً باثر رجعى بدأً من الاول من كانون الثانى 2013، ولحين اقرار قانون التقاعد الموحد،الذي طال انتظاره، واستبشر هؤلاء خيراً بهذا المبلغ رغم ضألته ، وتم صرف هذه المبالغ لجميع المستحقين فى عموم المحافظات العراقية
إلَّا المتقاعدين الذين يتقاضون مستحقاتهم في اقليم كوردستان، لم يذكرهم احد بل لم يتذكرهم احد، وكأن مجلس الوزراء تعمد استثناءهم ،بعدم الايعاز بتحويل المبالغ اللازمة والتى تغطى هذه المنحة الى الاقليم ليتم صرفها لمستحقيها ، هذا ما يردده المسؤلون الماليون في الاقليم عند مراجعتهم و سؤالهم عنها، مما جعلهم يشعرون بالغبن والاقصاء وكأنهم من كوكب آخر أو انهم قد خدموا وافنوا عمرهم في مكان آخر غير العراق. وها قد انقضى (2013) او اوشك على الانقضاء ولا ضوء في اخر نفق انتظارهم ليهتدوا به او بصيص امل ليستأنسوا به ،املهم ورجاؤهم ان يرفع هذا الغبن عنهم ليكونوا اسوة بأقرانهم في باقى اجزاء العراق ، وان يتنعموا كما تنعم اقرانهم بتلك المنحة و بما يشعرون ومتأكدون انه حقهم الذي ينبغي ان يعود لهم ولو كان متأخراً.
ترى هل هناك من سمع بهذه الطريفة سواء من المسؤولين عن موضوعات المتقاعدين في المركز أو من هم في موقع المسؤلية في إقليم كوردستان ،ان لم يكونوا سمعوا بها ، فها نحن نطرحها امامهم وبلا ملابسات ، عسى ان يجدوا حلاً قريباً لها وبذلك يرفعون الغبن ويعيدون الحق الى اصحابه ولو متأخراً . والمتقاعدون بانتظار هذه المطالب التى هى اهون ما تكون عندما تتوفرالرغبة الصادقة والاصرار على انصاف المحرومين ، أم ان القانون الجديد لن يرى النور في هذه السنة التى اوشكت على الانقضاء اسوة بسابقاتها ، ويُحرم المتقاعدون مجدداً من حسنات القانون الجديد ، ومرة اخرى يمنح مجلس الوزراء الاتحادي الموقر منحة اخرى للمتقاعدين في المحافظات العراقية ومرة أُخرى يُحرم منها متقاعدوا إقليم كوردستان، كما حُرموا من منحة السنة الفائتة .
كان الله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه .