أَرادَ اللهُ تَعَالى أَنّْ نتَعلَّمَ فِي حَياتِنا، مُمارسَةَ أُسُسِ المنّْطِقِ العَقلانّْي، حتّى نُديْرَ حياتَنا بمنهجيَّةٍ، بَعيدةٍ عَن العَشوائيَّةِ و التَّخبُّط. و أَرادَ اللهُ سُبحانُهُ، أَنّْ يُعلِّمَ الانسانَ الحِكمَةَ، في تَدبيرِ أُمورِ حياتِه. فقَدَّمَ لنا تَجربَةَ الانسانِ المَعّْصومِ، في تَعامُلِهِ معَ الأَحدَاث. و كانَ الإِمَامُ الحُسَيّْنُ(ع)، أَحَدَ القَادَةِ المعّْصومينَ الّذين تَعامَلوا، معَ قضيَّةِ صِراعِ الحَقِّ معَ الباطِل. فاستطاعَ الإِمَامُ الحُسَيّْنُ(ع)، إدَارَةَ هَذا الصِّراعِ بكفائَةٍ عاليَةٍ، فحقَّقَ الثَمرَةَ المرجوَّةِ، مِن نتيجَةِ ذلك الصِّراع. و أَثبَتَ الإِمَامُ الحُسَيّْنُ(ع)، أَنَّ الحَقَّ و العَدّْلَ، أَقوَى مِنَ الظُلمِ و الطُّغيان.
و السؤالُ هنا كيّْفَ تَعاملَ الإِمَامُ الحُسَيّْنُ(ع)، مع مُشكِلَةِ عَصرِه؟.
لقدّْ عاشَ الإِمَامُ الحُسَيّْنُ(ع)، مِحنَةَ الأُمَّةِ عِندَما التَحَقَ جَدُّهُ المُصطَفى(ص) بالرَّفيقِ الأَعلى.
* فَشَاهَدَ الإِمَامُ الحُسَيّْنُ(ع)، كيّْفَ أَنَّ أَهوَاءَ الأُمَّةِ اصّْطَدَمَتّْ بقيَمِ السَّماء.
* و وجدَ الإِمَامُ الحُسَيّْنُ(ع)، أَنَّ الأُمَّةَ مُستعِدَّةٌ للتَنازلِ عَن القِيَمِ أَمامَ مَكاسِبِ الدُّنيَا.
* و عَرفَ الإِمَامُ الحُسَيّْنُ(ع)، كَمّْ هذهِ الأُمَّةِ جَاهِلَة.
* و أَدّْرَكَ الإِمَامُ الحُسَيّْنُ(ع)، كَمّْ تَحتَاجُ الأُمَّةُ، مِنْ دُروسٍ عمليَّةٍ، حَتّى تَتَعلَّمَ مِن قَادَتِها، أَنَّ البَقَاءَ للقِيَمِ و ليّْسَ للمَصالحِ و الأَهوَاء.
* و وَعَى الإِمَامُ الحُسَيّْنُ(ع)، بأَنَّ الأُمَّةَ ساذجةٌ بتَفكيرهَا، و أَنّها غيرُ قَادرةٍ على فَهْمِ قِيمِ رِسَالَةِ الاسلامِ و تكالِيْفِه.
مَعَ كُلِّ هذهِ الصُوَرِ البائسَةِ، عَاشَ الإِمَامُ الحُسَيّْنُ(ع)، التَفاصِيلَ الدَّقيقَةِ لِصِراعٍ عَقائديّ، بيّْن أَبيْه(ع) و مُناوئيْه. و كيفَ أَصّْبَحتّْ السِياسَةُ و المَالُ، أَداواتً فَاعلةً، بيَدِ أَعداءِ أَبيْه(ع). كمَا عَاشَ الإِمَامُ الحُسَيّْنُ(ع)، معَ أَخيْهِ
الامامِ الحَسَنِ(ع)، جَنْبَاً الى جنبٍ، وهُمّْ مع أَبيهم الإِمَامِ أَميرِ المؤمنين عليّ(ع)، و عَرِفوا كيّفَ كانَ الإِمَامُ عليٌّ(ع)، يُدافعُ عَن حِيَاضِ الاسْلامِ، و هُو خَارجَ السُلْطَةِ السِياسِيَّةِ، ليَمنَعَ تَدهورَ الاسْلامِ و انكِسَارهِ، أَمَامَ أَعدَائهِ، على مُستَوى العَقيْدَةِ و الفِكْرِ و القُوَّةِ العَسْكريَّة.
و أَخيراً و لَيّْسَ آخِراً، عَاشَ الإِمَامُ الحُسَيّْنُ(ع)، جُرأةَ شُذَّاذِ الأُمَّةِ، و هُمْ يُحاربونَ أَبيه(ع)، في ثَلاثِ مَعاركَ طاحِنَةٍ، هيَ؛ صفيّْنُ و الجمَلُ و النَّهروانُ، لأَنَّهُ قرَّرَ الحُكّْمَ بالسَوِيَّةِ بيّْنَ للمُسلمين.
و لاحظَ الإِمَامُ الحُسَيّْنُ(ع)، إِقدامَ شِرارِ الأُمَّةِ على قَتلِ أَبيْهِ(ع)، في مِحرابِ مَسجدِ الكوفَة. و تكرارِهِم نفْسِ الفِعلَةِ معَ أَخيْهِ الإِمَامِ الحَسَنِ(ع)، فَقَتلوهُ مَسمُوماً، بعدَما نَكثُوا كُلَّ العُهودِ و المواثيقِ، الّتي أَبرمُوهَا معَه. و عَاشَ الإِمَامُ الحُسَيّْنُ(ع)، مَرحلَةَ شَتْمِ أَبيْهِ و أَخيْهِ(ع) على مَنابرِ المُسلميْنَ، و أَمَامَ مَسَامِعِ و أَنظَارِ، الكثيْرِ مِنَ الصَّحابَةِ و التَّابعينَ و عَامَّةِ الأُمَّة. و لمَسَ الإِمامُ الحُسَيّْنُ(ع)، مَنْهجَ مُعاويةَ بنِ أَبي سُفيانَ، و هو يُبَذِّرُ أَموالَ الأُمَّةِ، و يَهِبُ العَطايَا الى الموالينَ لسِياسَتِهِ.
في عامَي (58 و60 ه)، قَامَ معاويَةُ بزيَارتينِ للمدينَةِ المُنوَّرةِ، مِنْ أَجلِ انتِزاعِ اعترافٍ، منَ الإِمامِ الحُسيّنِ(ع)، ببيّْعَةِ يَزيدٍ لتَوَلي الخلافَةِ مِن بعدِهِ، لكنَّ الإِمَامَ الحُسيّْنَ(ع)، لمّْ يُمَكِنُّهُ مِن ذلكَ أَبداً.
إِذنْ المُشكلةُ الّتي واجهَها الإِمامُ الحُسيّْنُ(ع)، كانَتْ أَبعَادُ مَعالِمهَا واضحةً عِندَه. فَلمّْ يُصّْدَمْ او يُفاجَأ بها، و إِنَّما عَمِلَ مُثابراً، للتَّصديّ لِحلِّها. فَدَخلَ في مَرحلَةِ التَّخطِيْطِ للتَّصدّْي لمشْكِلهِ عَصّْره. فَذَهَبَ (ع) في عَامِ 60 ه ، حَاجَّاً الى مكَّةَ، حيثُ جُموعُ الحَجيْحِ، تَأتي للحجِّ من كُلِّ حَدّْبٍ و صَوّْب، ليُعلنَ مَوقِفَهُ أَمامَ الجَميعِ، بأَنَّهُ سَيَثورُ ضِدَّ يَزيدٍ بنِ مُعاويَة. فاجتمعَتْ قُلوبُ النَّاسِ عليه، و طلَبَ الإِمَامُ الحُسَيّْنُ(ع) مِنهُم، موافاتِهِ عَن طريْقِ الرُّسُلِ و الكُتُبِ، بمدَى استعدادِ النَّاسِ لنُصرَتهِ. و بذلك بَدَأَ الإِمَامُ الحُسَيّْنُ(ع)، باسْتِجْمَاعِ القُوَّةِ الّتي سيُعالجُ بها الموقِف.
و أخيراً أَعلنَ الإِمَامُ الحُسَيّْنُ(ع)، مَشروعَهُ الثَّوريّ أَمامَ الأُمَّةِ بقَوّلِه:
(إِنِّي لَمْ أَخْرُجْ بَطِراً وَ لَا أَشِراً وَ لَا مُفْسِداً وَ لَا ظَالِماً، وَ إِنَّمَا خَرَجْتُ أَطْلُبُ الصَّلَاحَ فِي أُمَّةِ جَدِّي مُحَمَّدٍ. أُرِيدُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، أَسِيرُ بِسِيرَةِ جَدِّي وَ سِيرَةِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَمَنْ قَبِلَنِي بِقَبُولِ الْحَقِّ، فَاللَّهُ أَوْلَى بِالْحَقِّ وَ هُوَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ)(انتهى).
كَيّْفَ نُحَدِّدُ جُذُوْرَ مَشَاكِلِنَا؟.
إِنَّني أَجِدُ في هَذِهِ المُناسَبَةِ فُرصَةً لِتَدارُسِ وَضّْعِنَا الاجْتِمَاعِيّْ المُتَرَدِّي، لِنُحَدِّدَ بَعضَ مَشاكِلِنَا، عَلَّنَا نَشُدُّ العَزّْمَ مَعَاً لمُعالَجَتِهَا، إِنّْ لَمّْ يَكُنّْ كُلاً، فَجُزّْءاً و ذَلِكَ أَضّْعَفُ الإِيْمَان.
عِندَمَا أَقدَمَتّْ أَمْريْكَا، على إِسّْقَاطِ حَلِيْفِهِمّ المَقّْبُوْرِ (صَدَّام)، (كَانَ ذَلِكَ، حَسَبَ اعتِقَادِي، بمَشِيْئَةٍ إِلهِيَّةٍ)، لأَنَّ مَنّْطِقَ السِيَاسَةِ الدُّوَليَّةِ، و حِسَاباتِ المَصَالِحِ الاسْتِراتِيْجِيَّةِ، و عَمَليَّةِ تَوازُنِ القِوَى فِي المَنْطِقَةِ، تَفرِضُ خَطَأَ إِقدَامِ أَمْريْكَا، على إِسْقَاطِ نِظَامِ (صَدَّام). و الخَطَأُ المَنهَجِيّ الآخَرُ، الّذي ارتَكَبَتّْهُ أَمْريْكَا، و الّذْي خَالَفَتْ فيْهِ قَواعِدَ سِّياسَتِها الخَارجِيَّةِ، أَنَّها سَمَحَتّْ باقَامَةِ نِظَامٍ دِيمُقراطيّ فِي العِرَاق.
و عندَما تَفاجَأَ الأَمريكانُ، أَنَّ غالبيَّةَ الشَّعبِ العراقِيّ، تَحمِلُ تَوجُهَاتٍ اسلاميَّةٍ. و الغالبيّةُ مِنْهُ تلتَزمُ بِرأْي المرجعيَّةِ الدِّينيَّةِ. أَدرَكَ حِيْنها الأَمريكانُ، أَنَّ جَميعَ الرِّهاناتِ، الّتي عَقَدوها، معَ حُلفائِهم العِلمانييّْنَ، ذَهبَتْ أَدراجَ الرِّياحِ. فالواقِعُ أَثبتَ عَكسَ النَّتائِجِ، الّتي كانَ يتَصوَّرُها الأَمريكانُ، و أَتباعُ الأَمريكانِ.
و يَجبُ أَنّْ لا نَنْسى، بأَنَّ الأَمريكانَ، قَدّْ حَبكوا المُخطَّطَ، و جَهَّزوا سَلفاً عَدَدٍ مِنْ رجَالِ الدِّينِ، و السياسيّْينَ و المثقفينَ و الاعلاميّينَ، المأجورينَ لصالِحهِمّْ مِنَ الشِّيعةِ و السُنَّة. و وفرّوا لهُم كُلَّ الاحتيَاجاتِ، مِنْ أَموالٍ طائلَةٍ لتأْسيْسِ أَحزابٍ، و فضَائيَّاتٍ و و سائلَ إِعلامٍ أُخرَى. ليُوطئَ هؤلاءِ المأجورينَ، للمَشروعِ الأَمريكيّ، خَلقَ بيئَةٍ اجتماعيَّةٍ مُحايدَةٍ، تتقبَّلُ الأَفكارِ التَّحرُريَّةِ (الاستعماريَّةِ)، الّتي نَادي بها المُحتَّلُ الأَمريكيّ. ليَخْدَعَ الشَّعبَ العراقِي، بشعَاراتِ الحُريَّةِ و المُسَاواةِ و حقُوقِ الإِنسانِ، و حقِّ تَقريْرِ المَصيْر. لكنَّ هذا المُخطَّطَ، اصّْطَدمَ بالكثيرِ مِنَ المُعوقاتِ، و إِنّْ لَمّْ ينْتَهِ بَعْدُ دَورِهِ لِحَدِّ الآنَ، بالرغْمِ مِن عَدَمِ تَحقيْقِ النَّتائجِ، الّتي كانتْ في حُسبَانِ الأَمريكانَ مِنْ قَبل.
و لأجَلِ مواجهَةِ إِرادَةِ الشَّعبِ العِراقِيّ، هذهِ الارادَةُ الّتي انْتُزِعَتْ مِنَ الأَمريكانَ، نتيجَةً لخطأٍ سياسِيٍّ ارتكبَتْهُ أَمريكا. أَعَادَ الأَمريكانُ حِاسَبَاتَهُم، و قَرَّروا معَ حُلفائِهم الاسْرائيليّْنَ و الصَّهاينَةِ، و أَذنَابِهِمْ السَّائرينَ فِي رِكَابِ المَشروعِ الأَمريكيّ الاسّتِعمَاريّ، مِنَ العَرِبِ و غيرِهِم، فَزَرَعوا الإِرهَابَ فِي العِرَاق، لأَجْلِ تَمزيْقِ الوِحدَةِ الاسْلاميَّةِ و الوَطنيَّةِ، بيّْنَ العراقييّْن. و كذلكَ تَدميرُ إِرادَةَ الشَّعبِ العِراقِيّ، عَنْ طَريْقِ إِشْعارِهِ باليَأْسِ و الاحبَاطِ، وَ زَعزعَةِ ثِقَتِهِ بِقُدرتِهِ،
في تَحديْدِ مُستَقبلِهِ بنَفْسِهِ، دُونَ مُساعَدَةِ الأَمريكان. هذهِ حَقَائقٌ لا يُمكُنُ لأي مُنْصِفٍ مُطَّلَعٍ على مُجرياتِ الأَحدَاثِ، التَّنَكُرَ لَها أَو نَفّْيها.
فِي الحَلَقَةِ الثَّالِثَةِ و الأَخيْرَةِ مِنْ هَذا المَقَالِ، سَأُناقِشُ بِعوّْنِهِ تَعَالى المَحَاوِرَ التَّاليَة:
1. مُهمَّةُ اتبَاعِ مَدَرسَةِ أَهْلِ البَيّْتِ(ع)، في إِصلاحِ فِكّْرِ و ثَقَافَةِ، الفَرّْدِ و المُجتَمَع.
2. مُنَاشَدَةُ الَمَقامِ الأَبَويّْ لِلمرجِعيَّةِ الدِّينيَّةِ، فِي النَّجَفِ الأَشْرَفِ، لِبَذلِ مَسَاعٍ أَكثرَ، لِتَرمِيْمِ التَّصَدُّعاتِ المَوجُودَةِ، فِي المُجتَمَعِ العِرَاقي. و اللهُ تَعَالَى مِنْ وَراءِ القَصّْدّ.
*[email protected]