16 نوفمبر، 2024 5:20 ص
Search
Close this search box.

عيون الكاتب والقارئ!!

عيون الكاتب والقارئ!!

الكاتب يرى ما فيه والقارئ يرى ما في النص , ومن الصعب أن يضع الكاتب ما يراه في نصه , وإنما يحاول ويجاهد ويكدح , لتتمكن الكلمات من إحتواء ما يراه ويريد قوله.
وليس كل كاتب يمتلك المهارة والقدرة على صب ما فيه في قوالب الكلمات وفيض العبارات , , ولهذا فالكاتب يقرأ ما فيه ولا يرى نصه كما هو بل كما يراه , والقارئ يرى النص كما هو أمامه , ويحاول أن يستخلص منه ما يراه فيه , وقد تتقاطع رؤية الكاتب مع القارئ , لأن الكاتب لم يتمكن من التعبير الأمثل عمّا يريد أو يقصد بالكلمات التي سطرها في نصه.
وهنا تحصل المفارقة , ما بين النص المكتوب والمقروء , الكاتب في عالم والقارئ في عالم آخر!!
وتلك معضلة تواصلية تمكن من تجاوزها قلة من الكتاب , الذين تميزوا وسادت كتاباتهم , لأنهم إمتلكوا قدرة الكتابة والقراءة في آن واحد.
إن النص هو الذي يبين طبيعة كاتبه وما فيه , ويبرز مهاراته الإبداعية وقدراته الفكرية والمعرفية , فالنظر إلى النص وإستكناهه وإستكشافه , كأنه إبحار في دنيا كاتبه وغوص في أعماقه النفسية والروحية والفكرية.
وإذا تساءلنا كيف لكاتب أن يتشابه مع نصه , لا أن يتطابق فذلك أمر بعيد المنال؟
فالجواب يكون بأن يتعلم كيف يكون قارئا للنص الذي ينشره , أي أن يراه بعين الناقد فيفككه ويتأمل كلماته ودلالات عباراته , وهل أنها أوصلت الفكرة إليه كقارئ.
وهناك العديد من الحواجز النفسية التي تمنع ذلك , ولهذا يلجأ بعض المبدعين إلى كتابة النص والعودة إليه بعد حين , لرؤيته وتشذيبه , لأن حمى الإبداع تصيب البصيرة بحالة من الإنغلاقية وعدم المرونة والمطاوعة , إذ تتوهم بأن ما أوجدته هو ذروة الممكن الإبداعي.
وطبع الموجود الحي يتلحص بالسعي نحو الكمال , وهو هدف تطارده البشرية منذ الأزل , وسيبقى كذلك إلى الأبد , لأن البحث عن الكمال يمد الموجودات بطاقات التواصل والبقاء والنماء.
وبلوغ الكمال يعني الحركة الدائبة والنشاط المتواصل , والإنطلاق المتوثب الذي لا يعرف السكون , ويستمد ديدن نشاطاته من الإرادة السرمدية للدوران , الفاعل بكينونة الأكوان ومنها أمنا الأرض.
فلا كامل ولا تام , وسلطة النقصان تتحكم فينا , وقوة الدوران تعيد تصنيعنا وتوليدنا مما نظنه ليس فينا , فالتجدد برهان حياة , والتمام عنوان ممات , وتلك سنة الوجود , ولا مناص من إتخاذ سبيل التفاعل معها وسيلة لصناعة ما نراه , يتآلف ويتكاتف فينا من رؤى وتصورات , نستحضرها من فيض التفاعلات الدائبة حولنا!!

أحدث المقالات

أحدث المقالات