اسس الجيش العراقي في 6 كانون ثاني 921 اثناء الانتداب البريطاني على العراق وقد ضم 1500 جندي وتولى وزارة الدفاع في حينه الفريق جعفر العسكري وفرضت
الخدمة الالزامية في عام 1935 وضم بين حناحيه جميع مكونات النسيج العراقي على مدى 82 سنه ورغم الاحتواءات الحزبية التي حصلت في تاريخه بقى من حيث النسيج الوطني يضم ابناء العراق من اقصاه الى اقصاه ولم يقتصر على قومية معينة او دين او طائفة بل كان مدرسة الالفة التي تجمع ابناؤه في السراء والضراء . يقول بريمر سيء الصيت في مذكراته ( عام مرجو قضيته في العراق) ان حل الجيش العراقي جاء بطلب مباشر من مسعود برزاني ولا نعلم صحة هذا الادعاء ونتسائل لماذا وافق الاخرون على هذا الاجراء وهم امام كارثة حقيقية يرتبط بها مصير العراق ؟ فبرغم الانهاك الذي اصاب هذا الجيش نتيجة اختلال التوازن عند من كان بيده القرار وزجه في حروب تفوق طاقته يبقى مؤسسة عريقة وذات خبرة متراكمة منذ تأسيسه ولغاية قرار المجرم بريمر الذي الغى هذه المؤسسة بجرة قلم كما يقولون مما نتج عنه الخراب الكبير
الذي اعقب ذلك فبدلا من ان تبادر السلطة الجديدة الى لملمة اشلاء هذا الجيش المنكوب واعادة تنظيمه واجتثاث العناصر المشكوك في ولاؤها للوضع الجديد والابقاء على التركيبة العامة له مما نتج عنه ما نتج من قتل وتخريب كان من الممكن ان يختزل الى مستويات متدنية جدا ولكن ذاك كان من مخططات الاحتلال ورب قائل يقول كيف يعتمد على جيش احتواه صدام حسين والرد هو المحاولات العديدة للاطاحة بالنظام التي وأدت في مهدها نتيجة العيون المنتشرة بكثافة غير اعتيادية دفع ثمنها الكثير من الضباط والمراتب حيث الاعدام لمن يشك بولائه , اما الجيش الجديد فكانت تركيبته متناشزة وذات محتوى شبه احادي لم يضم اجزاء النسيج العراقي كما كان الجيش
السابق وانحرف عن مساره الطبيعي في حماية حدود العراق والدفاع عنه وانما انشغل في احتلال شوارع وازقة المدن . تشير المادة 107 – ثانيا – من الدستور : وضع سياسات الامن الوطني وتنفيذها بما في ذلك انشاء قوات مسلحة وادارتها لتامين حماية وضمان امن حدود العراق والدفاع عنه , كما ورد في المادة التاسعة – ثانيا – تنظم خدمة العلم بقانون ولم تشر الى هذه الخدمة اهي طوعية ام الزامية ؟ لقد اصبح من الضروري الاسراع في اصدار قانون الخدمة العسكرية والزام كافة المواطنين بخدمة العلم اسوة بالدول الاخرى ومنها دولة بريمر فقد كانت الخدمة الالزامية في الجيش الامريكي منذ سنة 1775 -1970 اي ما يقارب 195 سنة وبعد ان اصبحت دولة عظمى وتمكنت من صنع اسلحة متطورة في كل المجالات البرية والبحرية والجوية تقليدية وكيماوية وفيزياوية ولم تعفي احدا من الخدمة الالزامية ومنهم بطل العالم في الملاكمة محمد علي كلاي وسحبت منه اللقب لرفضه المشاركة في حرب فيتنام وملك الروك اندرول الفيس برسلي الذي خدم في الجيش سنتين برغم الاحتجاجات الواسعة التي قام بها محبيه .ان
بناء جيش قوي من كل المكونات الوطنية يعزز تلك الوحدة ويفشل مشاريع الاقلمة والانفصال ويربي الاجيال على حب الوطن والدفاع عنه كون الجميع شركاء في الحقوق والواجبات ويساوي بين الغني والفقير والمتعلم والامي . ان الخدمة الالزامية ستجعل المواطن يخدم في مواقع مختلفة في بلاده ويتعايش العربي والكردي والتركماني وغيرهم من الاقليات القومية والاديان والطوائف ضمن هذه المؤسسة الوطنية ومن المفترض ان يتضمن التشريع تحريم النشاط الحزبي بكل اشكاله السياسي والديني خلال الخدمة العسكرية لتجنيب البلد الكوارث التي قد تلحق به مثلما حصل بعد قيام ثورة تموز 1958 . ان قانون خدمة العلم سينتج عنه امور ايجابية منها انجاح المشروع الوطني في اعادة اللحمة الوطنية وبناء شخصية المواطن بدنيا ووطنيا وفكريا وثقافيا واجتماعيا وتأهيل البعض الى مهن يستطيع ممارستها في الحياة بعد انتهاء الخدمة وقد اطلق على الجيش ( مصنع الرجال) لكونه مدرسة يتعلم من خلالها المواطن النظام واحترام القانون والاعتماد على النفس وتحمل المصاعب كما يساهم في امتصاص البطالة ويدعم ماديا المشمولين بالخدمة وخلق الخشونة المطلوبة للرجل والقضاء على الميوعة المتلبسة ببعض الشباب ومنعهم من الانجرار الى الانحرافات التي ربما يقع بها الشاب نتيجة العوز والفراغ الذي يعاني منه على ان لا تكون هذه الخدمة تحمل بين جنباتها القسوة والاستغلال وتشويه معنى الجندية من قبل البعض الفاسد وتحدد مدة الخدمة كأن تكون 6 شهور للخريجين وسنة لسواهم والمهم والاهم في هذا كله هو تقويم بناء الجيش الحالي الذي انشأ في ظروف غير طبيعية ومارس مهامه بشكل غير طبيعي نتيجة تركيبته من خلال دمج المليشيات ومنح رتب بغير الاستحقاق للبعض والاستقلال الكامل لميليشات الاحزاب الكردية والتي تخندقت بدورها في ما سمي ظلما وعدوانا ممن كتبوا الدستور ( المناطق المتنازع عليها ) وكاننا دولتان مستقلتان بكل ما تتضمنه هذه الكلمة من معنى وتركوا حدود الاقليم لكل من هب ودب والسماح لقوات الجوار بالتسلل والقيام
بعمليات عسكرية على حدود الاقليم ولربما سيطالب من لا يشعر بالانتماء الوطني العراقي بالحي الفلاني او المنشاة او المطعم الفلاني الذي يقع في رقعة الارض التي تقطنها القومية الاخرى . ان التوجه نحو الخدمة الالزامية سيخلق فرصة للدولة اعادة هيكلة الجيش الحالي ان صح التعبير تدريجيا من خلال تدريب بعض المنتسبين على مهن في معامل الجيش المختلفة للانتاج العسكري والمدني وتمويل السوق المحلية بتلك المنتجات كما فعلت مصر وغيرها والتخفيف من المعاناة التي تعرض لها منتسبوا الجيش
الجديد نتيجة الظروف الراهنة وبذلك نكون قد اعدنا التوازن في اهم مؤسسة وطنية مناط بها حماية الوطن والشعب من ايعدوان اجنبي والدفاع عن المصالح الوطنية التي تتعرض للانتهاك من الاخرين ويبقى 6 كانون ذكرى عطرة في تاريخ العراق .