18 ديسمبر، 2024 8:06 م

عيد الجيش والضرورة التاريخية .. لترسيم معالم العقيدة العسكرية

عيد الجيش والضرورة التاريخية .. لترسيم معالم العقيدة العسكرية

صار لزاماً ترسيم ملامح العقيدة العسكرية وتحديد معالمها، وفق معايير المصلحة الوطنية باعتماد دراسة شاملة وموضوعية بعيدا عن الاهواء والنزق السياسيين في تحديد معالم المصالح العليا للبلاد، وفاءا لدماء شهداء الجيش العراقي منذ تأسيسه ليومنا هذا داخل العراق وخارجه.
             وبذلك لو القينا نظرة فاحصة على الجيش العراقي منذ تاسيس نواته بفوج الامام موسى الكاظم عام ١٩٢١ لوجدنا ان دائرة التوجيه المعنوي آنذاك تتحمل على عاتقها إصدار النشرات التدريبية والقتالية والتعبئة المعنوية وإصدار الكتيبات المحدودة للضباط وضباط الصف والجنود بغية تحديد معالم العقيدة العسكرية وارساء دعائمها الاخلاقية وفق مفاهيم الأسس الوطنية وشرف الجندية والرؤية السياسية لقيادة الدولة العراقية آنذاك.
ويمكننا تحديد معالم العقيدة العسكرية العراقية وقتها باربعة محاور:- القتال وفق نظرية الصراع العربي – الاسرائيلي، حيث مشاركة قطعات الجيش العراقي بالقتال منذ عام ١٩٤٨ وبقاء تلك القطعات على الجبهة الاردنية مرورا بنكسة ٥ حزيران ١٩٦٧، وما تلاها مشاركة القطعات العراقية في حرب عام ١٩٧٣.
– وحدة العراق بمحاولة بسط النفوذ على شمال العراق لمقاتلة الأكراد العصاة (هكذا كانت التسمية وقتها)، وذلك الصراع كان دعمه اللوجستي والاستخباري من قبل طهران الشاهنشاهية، حتى معاهدة الجزائر عام ١٩٧٥وما بعدها ابان الحرب العراقية الإيرانية.- جيش العراق (جيش العروبة) وكان له مؤازرة ومناصرة ودعم حركات التحرر كما في ارتيريا وارسال بعض القوات للتدخل المباشر، مثلما ارسلت مجاميع القوات الخاصة منتصف العقد السبعيني الى لبنان والقتال في جنوب لبنان بمقرها في النبطية، وكذلك المطالبة الواضحة والصريحة بالجزر الثلاثة المحتلة طنب الكبرى، والصغرى، وابو موسى.
– بعد سقوط العرش الشاهنشاهي وإعلان الدولة الخمينية سرعان ما توقّد الصراع العربي – الفارسي وبدء معركة القادسية ١٩٨٠ – ١٩٨٨وبالدعم العربي.
         وبعد دخول الجيش العراقي للكويت ٢ آب ١٩٩٠، صار انعطاف اخر في انكسار تلك العقيدة، بعد قيام التحالف الدولي بحرب الخليج لاستعادة الكويت من قبضة الجيش العراقي، وكانت بداية حالة الانكسار لتلك العقيدة هي المشاركة الفاعلة للجيش المصري والسوري، ناهيك عن المشاركة الخليجية بقيادة السعودية، حيث انطفأت جذوة الركن القومي في تلك العقيدة بثقافة الجندية العراقية، بتساؤل بسيط .. اين دماء الشهداء العراقيين على الجبهة المصرية والسورية – الفلسطينية؟ .. ويرى الجيش العراقي تنتهك كرامته من الجيشين المصري والسوري بمساعدة قوات التحالف الدولية بقيادة الولايات المتحدة الامريكية.(نتحدث هنا عن الانعكاسات النفسية والثقافية بغض النظر عن توصيف الخطا القانوني في احتلال الكويت).
       تلك المرحلة هي الحاسمة في انكسار البناء المعنوي للعقيدة العسكرية العراقية، وهي بداية التخبط في رسم عقيدة عسكرية جديدة، وكل ما كان بعد تلك المرحلة مجرد شعارات وفقاعات اعلامية لم تتمكن من ترميم انكسار الهيبة العسكرية، وكان لقرار مجلس الأمن باستحداث خط ٣٢ الأثر البالغ في تهشم تلك العقيدة، لعدم بسط النفوذ على المنطقة الشمالية، الا الدخول والانسحاب السريع لنجدة البارازانيين في أربيل بعد تغول النفوذ الايراني ووجود الصراع بين الطالبانيين والبارازانيين.        ولكن علينا ان لا نبخس الجهد الاستخباري العراقي حقه ،رغم تلك الانكفاءة جعل من منظمة مجاهدي خلق وحزب العمال الكردستاني عصا التوازن مع طهران وأنقرة.        بعد احتلال العراق بقيادة الولايات المتحدة الامريكية والجهد الدولي، كان حلّ الجيش العراقي بقيادة الحاكم المدني بول بريمر وبمشورة مجلس الحكم هي القشة التي قسمت ظهر البعير.
        بعدها تم تاسيس نواة الجيش العراقي الجديد وفق الرؤية الامريكية بتشكيل أفواج الحرس الوطني لكل محافظة على حدة، والمسارعة بتشكيل قوة مكافحة الاٍرهاب في بغداد كقوة ضاربة، ولكن سرعان ما تداخل الامر بعد تولي المالكي القيادة العامة للجيش العراقي وهو يفتقر لرؤيا العقيدة العسكرية المهنية، وتسلل مجاميع الضباط من خارج المؤسسة العسكرية الى قيادة القطعات العسكرية سواء بالواجهة القيادية او بقيادة الظل بالمشورة الإيرانية، يمكننا القول انه تم تأسيس جيش هجين ضائع الرؤى بين الطائفية والانتماءات المناطقية، ناهيك عن بعض الولاءات للدول الإقليمية، وكان الوهن بائنا في مقاتلة الاٍرهاب.          
        حتى أسس الى تشكيل مجاميع الصحوات بالمشورة الامريكية التي سرعان ما انقلب عليه المالكي بعد الانسحاب الامريكي، حيث تسارعت الاحداث بعدها بالانكسار المخجل للجيش العراقي امام مجاميع داعش الإرهابية باحتلال ثلث العراق.
           لكل ما تقدم بالعرض الموجز أعلاه .. يتعين علينا ما بعد تحرير الموصل ان يصار الى هيكلة الجيش العراقي وفق رؤية علمية مهنية موضوعية والتنازل عن الشعارات الوهمية المتسرطنة التي ظلت تنخر افكار العقيدة الجندية العراقية بتحرير فلسطين او تبني القضايا العربية والقتال خارج الحدود، او القتال وفق الرؤية الإيرانية بتصدير الثورة وامتداد النفوذ الايراني وفق متبنيات الرؤية الخمينية بعقيدته الاسلاموية.علينا اذا بتشريع واضح وصريح امام المجتمع الدولي يتمثل بالاتي:اولا: اعادة تشكيل الجيش العراقي بمحورين الاول: قيادة قوات الحدود لحماية حدود العراق مهما كان الاتفاق السياسي لما بعد تحرير الموصل سواء بالفدرلة المناطقية الجغرافية او الفدرلة وفق مفهوم شيعستان سنستان كردستان، واجباتها تتلخص بحماية الحدود. اما المحور الثاني يتضمن قوة عسكرية مركزية لمكافحة الاٍرهاب بقيادة المركز، وتكون ساندة لاي ثغرة ضعيفة او انتهاك جزئي لقوات الحدود، وتتولى الشرطة حماية الأمن الداخلي.
ثانيا: تفعيل المعاهدة الإسترتيجية العراقية – الامريكية والسعي لاصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بتفعيل تلك المعاهدة، وجعل منطقة العراق جزءا لا يتجزا من الأمن الدولي لتحجيم النفوذ الإقليمي الصارخ لدول الجوار.
ثالثا: الإعلان القانوني (الدستوري) الواضح والصريح بعدم اشراك الجيش العراقي او اي مجاميع اخرى بعلم الدولة وإسنادها، باي نشاطات عسكرية او إمدادات لوجستية خارج حدود العراق، وكذلك عدم السماح لاي دولة باستخدام الاراضي العراقية برا وجوًا لاي نشاط عسكري عابر للحدود.
رابعا: حل جميع الميليشيات وتجريدها من السلاح وإصدار القوانين الصارمة على وجود اي سلاح خارج إطار الدولة مهما كانت لافتة التجمع سواء كانت سياسية او طائفية او قبلية.
          بذلك يمكننا اعلان العقيدة العسكرية العراقية وفق المفاهيم الوطنية لتكون مصالح البلاد العليا هي الفيصل دون الدخول في دوامات البناء العبثي والمهاترات الإقليمية في تشخيص المهام الوطنية وأولوياتها.
[email protected]