تذكر المصادر أن عمرو بن العاص قال: والله لو علمت أنى أموت ألف موتة لبارزت علياً في أول ما ألقاه، فلما بارزه طعنه علي فصرعه واتقاه عمرو برجله، فبدت عورته، فصرف علي وجهه إستحياءً منه ورجع، فقال له أصحابه: أفلت الرجل يا أمير المؤمنين. فقال علي: وهل تدرون من هو؟ قالوا: لا قال: فإنه عمرو بن العاص تلقاني بعورته فصرفت وجهي عنه. ورجع عمرو إلى معاوية فقال له: ما صنعت يا عمرو؟ ، فقال: لقيني علي فصرعني. قال: احمد الله وعورتك (أي واحمد عورتك)، أما والله أن لو عرفته ما أقحمت عليه، وقال في ذلك شعراً، فغضب عمرو وقال: ما أشد تغبيطك علياً في أمري هذا، هل هو إلا رجل لقيه ابن عمه فصرعه، أفترى السماء قاطرة لذلك دماً؟، قال معاوية: لا، ولكنها معقبة لك خزياً.
أما عباس محمود العقاد فيذكر القصة مفصلة إذ يقول: كان علي رضي الله عنه كثيراً ما يتقدم بين الصفوف داعياً إلى المبارزة، فبدا له يوماً (يوم صفين)أن يدعو معاوية لمبارزته فأيهما غلب فالأمر له، وتحقن دماء الناس، فنادى: يا معاوية، فقال هذا لأصحابه: اسألوه ما شأنه؟ قال: أحب أن يبرز لي فأكلمه كلمة واحدة. فبرز معاوية ومعه عمرو بن العاص، فلما قارباه لم يلتفت علي إلى عمرو، ووجه كلامه لمعاوية: ويحك علام يقتتل الناس بيني وبينك؟ ابرز إليّ، فأينا قتل صاحبه فالأمر له، فالتفت معاوية إلى عمرو فقال: ما ترى يا أبا عبد الله؟ أبارزه؟ فقال عمرو: لقد أنصفك الرجل، واعلم أنك إن نكلت عنه لم تزل سُبة عليك وعلى عقبك ما بقي عربي، فقال معاوية: يا عمرو ليس مثلي يخدع نفسه، والله ما بارز ابن أبي طالب رجلاً قط إلا سقى الأرض من دمه. ثم تلاحيا وعزم معاوية على عمرو ليخرجن إلى علي، إن كان جادًا في نصحه، ولم يكن مغرراً به طمعاً في مآل أمره، فلما خرج للمبارزة مكرههاً وشد علي عليه، رمى عمرو بنفسه عن فرسه، ورفع ثوبه وشَغَرَ برجليه فبدت عورته فصرف عليٌّ وجهه عنه وقام معفراً بالتراب هارباً على رجليه، معتصماً بصفوفه.
ونحن لا نريد أن نشمت كمعاوية بعمرو بن العاص في محنته مع علي ولكن ما نراه اليوم من الهروب الجماعي بملابس النساء لمقاتلي داعش وثوار العشائر الذين انظموا اليهم يذكرنا بعورة إبن العاص التي انكشفت ثانية لتفضح (المستأسدين) على النساء والأطفال والعزل، و(الفارين) أمام ضربات الشجعان من أبناء الحشد الشعبي. إن الذين قاتلوا مع داعش فقتلوا أبناء عمومتهم رجالاً ونساء وأطفالاً، لا يقلون إجراماً عن داعش. والقائمة تطول بجرائمهم بدءاً بأهلنا في الموصل مسلمين ومسيحيين وآيزيديين، ونسفهم للجوامع والمساجد والمآذن والكنائس وتحطيم وتجريف للآثار ونهبها، وانتهاءاً بتكريت وقتل الجنود العزل من معسكر سبايكر بمعونة وخديعة ثوار العشائر الذين رفعوا شعار (قادمون يابغداد). ولكن وبعد مرور أقل من سنة على تلك الجرائم الشنيعة التي استنكرها العالم أجمع – إلا من في قلبه مرض من القنوات الفضائية كالشرقية والرافدين والبابلية والتغيير، وغيرها من القنوات والصحف والمواقع الإلكترونية – والتي طبلت وزمرت وهللت لثوار العشائر، سرعان ما بدأت آلة القتل الطائفي والديني والهمجي تفتك بالجميع، وهدمت جوامع وكنائس وصوامع، وهجر شعب بأكمله تحت نظر وبصر العالم أجمع، ووصل الأمر أن تباع العراقيات في أسواق النخاسة. هكذا فعلت الموصل، وهكذا فعلت تكريت، وهكذا أرادت أن تفعل ديالى والأنبار لولا أبناء الحشد الشعبي وأبناء العشائر العربية الأصيلة التي وقفت مع العراق ضد أعدائه، ومع الحق ضد الباطل، ومع النور ضد الظلام، ومع الحضارة والمدنية ضد التوحش والبربرية. ولكن ومع كل تلك التضحيات التي اختلط فيها الدم الشيعي بالدم السني في معارك تحرير المدن والقرى المحتلة، وبرغم سقوط آلاف الضحايا بسكاكين (قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين) ومفخخاتها وعبواتها الناسفة، ومثلهم مازالوا يسقطون على يد (داعش) التي لم تسلم منهم حتى رموز الحضارة العراقية الموغلة بالإبداع والفرادة والجمال، لم تتحرك من الأزهر (الشريف) شعرة من الشرف والمروءة والإسلام، وغاب شيوخ الأزهر في كهوف ظلامهم، وهم يسدون آذانهم وأفواههم عن سماع كلمة الحق أو حتى قولها. إذن فقد عادت أخلاق بني أمية وبني العاص ثانية ولكن بجبة وقفطان أزهريين، وعاد من جديد وعاظ السلاطين الذين بشر بهم المفكر العراقي علي الوردي قائلاً: “يبدو لي أن هذا هو دأب الواعضين عندنا فهم يتركون الطغاة والمترفين يفعلون ما يشاؤن ويصبون جل اهتمامهم على الفقراء من الناس فيبحثون عن زلاتهم وينغصون عليهم عيشهم وينذرونهم بالويل والثبور في الدنيا والآخرة”. لقد تمخض كهف الأزهر (الشريف) فولد فأراً، وكانت الولادة (أموية، خارجية، داعشية) بإمتياز، إذ أبطأت السعودية (الحاضرة في كل مناسبة لإيذاء العراقيين) عن تقديم منحة مالية لمصر قدرها البرادعي بثلاثة مليارات دولار شريطة أن يصدر الزهر بياناً يدين فيه الحشد الشعبي. وقد كشف السياسي المصري محمد البرادعي عن ضغوط كبيرة تعرض لها مشايخ الازهر لاصدار ذلك البيان ضد “الحشد الشعبي ” . وقال البرادعي ” إن الإخوة في وزارة المالية طلبوا مساعدة مشيخة الأزهر لإصدار بيان يدين فصائل الحشد الشعبي التي تقاتل تنظيم داعش في العراق مبيناً أن منحة سعودية بقيمة ثلاث مليارات دولار كانت متوقفة على هذا البيان”، ولكن بعد ذلك تصاعد الرقم ليصل الى حوالي 13 مليار دولار قدمتها دول الخليج من أجل تصريح خبيث كهذا، وزين السيسي مؤتمره التسولي هذا بالوقوف والتصفيق الطويلين والغريبين لكلمة ممثل السعودية في المؤتمر. .
شريط فيديو مجهول يقتل فيه صبي بنيران مسلحين يرتدون البزة الرسمية هي الجريمة التي لا يقرها الإسلام، أما قتل شعب بأكمله، وتهديم المدن على ساكنيها، والسيارات اليومية المفخخة، وسرقة الآثار، وتجريف المدن التاريخية، وتهجير الأقليات مسيحيين وآيزيديين وشبك وتركمان، وبيع النساء في أسواق النخاسة، وقتل المدنيين، وإغتصاب النساء، مسألة فيها نظر. يقول وعاظ السلاطين في الأزهر (الشريف): “إن ما ترتكبه هذه الجماعات (أي الحشد الشعبي) من عمليات تهجير وقتل وإعدامات ميدانية ومجازر بحق المدنيين السنة، وحرق مساجدهم، وقتل أطفالهم ونسائهم بدم بارد بدعوى محاربة تنظيم داعش لهو جريمة وحشية يندى لها جبين الإنسانية جمعاء”. والأزهر لا يعرف أن السنة يقاتلون جنباً الى جنب مع إخوانهم الشيعة ضد عدوهم داعش.
شريط واحد مجهول، أو شريطان مجهولان يمكن أن تصنعهما أيدي داعش الماهرة في صنع أشرطة الإرهاب يجعل عين الأزهر عوراء شوهاء لا ترى إلا الجانب المعتم من الوقائع. فالإرهاب في مصر (إرهاباً) والرد عليه شجاعة وبطولة للسيسي وجيشه المظفر، والإرهاب في ليبيا (إرهاباً) أيضاً لأنه يذبح المصريين بدم بارد، أما الإرهاب في العراق فهو أي شيء آخر غير الإرهاب، ربما يبدأ بصفة (المقاومة) ضد (المحتل الأمريكي)، ويتحول الى (قتال) ضد (التدخل الإيراني المجوسي – الصفوي)، ولا أعرف حقاً جدلية الربط بين المجوسية والصفوية فهما من مدرستين مختلفتين تماماً، ويضيف إليهما العقل العربي الأعور صفة ثالثة هي اليهودية لتصبح الشتيمة كالآتي: (مجوسية صفوية يهودية رافضية)، ويالها من خلطة عجيبة تجمع التناقضات في كأس واحدة، ولكن أي قتال ضد هذه المنظومة وبحسب الفتوى السلفية – الأزهرية يسمى (جهاداً) ما دامت الغاية منه التخلص من خطر (الروافض). أما الرد على ذلك الجهاد، أو القتال، أو المقاومة (سمه ما شئت) فهو (جريمة وحشية يندى لها جبين الإنسانية جمعاء) كما يقول بيان الأزهر. والشيخ أحمد الطيب والذين يحيطون به من الإخوان السلفيين حد النخاع هم من فصل تلك الفتوى على المقاس دون زيادة أو نقصان لكي يكون لها وقع السحر على مستهلكيها من الخليجيين والفلسطينيين والأردنيين والمغاربة والتوانسة، ومن شيوخ الفتنة السعوديين الذين ينتظرون من مصر فتاوى تصب في أنهر فتاويهم الدامية وتتناغم معها. وهنا نتساءل نحن: أليس من الأجدر على القنوات الفاعلة في الإعلام العربي أن تترك العراقيين ليقرروا مصيرهم ومستقبلهم، بدلاً من الحملات التضليلية التي تصدح ليلاً ونهاراً بإيذاء العراق، وكيف يمكن للإعلام العراقي بصنوفه وألوانه ومرجعياته كافة أن يقف ضد الحملة الدينية التي شارك فيها الأزهر تلك المؤسسة الدينية المشكوك في ولائها للإسلام الحقيقي الذي ينادي بالوسطية والتقريب بين المذاهب، لا ذلك الإسلام الذي يدعيه الإرهابيون زوراً وبهتاناً، الذين يذبحون النساء والأطفال بقلوب الأسود، ويفرون أمام رجال الحشد وأبناء العشائر كالفئران بملابس النساء، متمثلين بجدهم عمرو إبن العاص الذي تملص من سيف علي بكشف عورته السخيفة.