لو تجلس مع سياسيي ( آخر وكت ) ، محترف كان أم هاو ، وسألته سؤالا عن مصير العراق ، لأجابك على الفور انه بمجرد سقوط النظام السوري فان النظام في العراق سيسقط وستتشرذم الدولة العراقية الى دويلات سنية وشيعية وكردية ويسيطر هذا المكون على منابع المياه في دجلة والفرات مقابل سيطرة المكون الآخر على النفط ، ثم تبتدأ صفحة الحروب بين أمراء الماي و أمراء النفط وتتقطع الدويلات الى امارات وكل أمير يجلس على كرسيه ويروح البلد الى قير .
قد تكون هذه الفكرة البسيطة هي الأساس الذي اعتمدت عليه بعض القوى السياسية وأخص منها الاحزاب الاسلامية في اعادة ترتيب أوراقها بعد خروج الاحتلال والتهيؤ لمسك زمام الأمور في مناطقهم خصوصا وأن ما يسمى بالربيع العربي قد أتى بالأخوان المسلمين الى سدات الحكم في بلدانهم في مشروع يستهدف ( أخونة المنطقة ) و الذي بدوره قد أعطى زخما كبيرا للحركة الأسلامية الطائفية العراقية لأن تحيي أحلامها في بسط نفوذها على بيئتها .
يأتي السؤال ليفرض نفسه ، هل أن الدولة السورية مقبلة على تبديل هوية السلطة فيها من علوية الى سنية ، أم انها مقبلة على تفتيت اثني لتتشكل دويلات مثنى وثلاث ورباع علوية و سنية ودرزية ومسيحية ، أم انها ستستمر على سيناريو الاستنزاف الداخلي للاطراف المتحاربة والذي قد يمتد الى سنوات قادمة سيلقي بظلاله السوداء على العراق ؟؟؟؟؟
من هنا كان لزاما على المنظومة الاخوانية العراقية أن تتعامل مع تلك الاحتمالات بشيء من الحكمة طالما أن تلك الاحتمالات واردة الحدوث ، أما أن تتعامل مع الازمة السورية على أساس احتمال واحد فقط وبمنظور واحد فهذا هو قصر النظر السياسي بعينه والذي أوقع الاسلامويين في شرك الحركة العلمانية و روادها الجدد في العراق .
المالكي وعلى الرغم من خلفيته الاسلامية الشيعية قد تنبه ومنذ بدأ مشروع أخونة المنطقة الى خطورة هذا الملف ، فكان امامه أما مواجهته بمشروع ديني طائفي مضاد أو احتواءه بمشروع عروبي …
ولقد حسبها المالكي جيدا وكانت حساباته تنطلق من مبدأ الحفاظ على عراق موحد واحد حتى وان كان هذا العراق ممتلأ بالبؤر المستعرة والقنابل الموقوتة الا ان الرجل راهن على أن العراق قادر على صهر كل تلك المفخخات فلم ير امامه الا المشروع العروبي الذي على الرغم من تقاطعه مع خلفيته الاسلامية الشيعية الا أن نظرية الحفاظ على كيان عراقي واحد بمشاكله و أزماته خير من كيانات منفصلة ممتلئة بقنابل موقوتة قد تنفجر في أي لحظة كالنزاع على الحدود الادارية أو اختلاق أزمة النفط مقابل الماء .
ولكي يواجه المالكي مشروع الأخونة بمشروعه العروبي ، أصبحت عملية بحثه عن تكامل المشروع العروبي تستوجب التحالف مع من يمثلون هذا المشروع في المحيط السني فكان المطلك والكربولي وجهته الصحيحة .
فالمطلك والكربولي وعلى الرغم من الحملة الهوجاء ضدهما والتي كانت تستهدف استمالتهما الى مشروع الأخونة ومنذ سنوات ، فانهما قد تعاملا مع هذا المشروع على عدة أسس ، أولها أنهما يدركان سياسيا أن التعامل مع الأزمة السورية لا يجب أن تكون بمنظور احادي قائم على أساس تبديل هوية السلطة السورية من علوية الى سنية ، وانما يجب التعامل مع تلك الأزمة بالنظر اليها بعدة مناظير وعلى أساس نظرية الاحتمالات المختلفة ، وهي احتمالات حرب الاستنزاف الداخلية السورية الطويلة الامد وانعكاساتها الخطيرة على العراق ، او انهما قد وضعا في حساباتهما نظرية تفتيت سوريا الى دويلات تبقي فيها نظام الأسد والدولة العلوية جزءا من سوريا الجديدة ذات الاربع دويلات الأخوانية والعلوية والدرزية والمسيحية ، أي بمعنى آخر أن المطلك والكربولي ليسا من السذاجة بمكان أن يكونا امتدادا لدويلة أخوانية سورية ضعيفة محاطة بدويلات معادية لها .
والأساس الآخر الذي جعل المطلك والكربولي ينحيان منحى بعيد عن الأخونة هو خلفيتهما العروبية وامتداداتهما العشائرية في المنطقة الغربية .
عند ذلك التقى المالكي والمطلك والكربولي عند خط الشروع لحمل لواء المشروع العروبي القديم الجديد ليقفوا بمواجهة مشروع الأخونة ….. يجمعهم عامل مشترك مهم جدا وهو أنهم لم يكونوا في يوم من الأيام جزءا من مشروع الاحتلال الأمريكي والذي كان من افرازاته مشروع أخونة المنطقة ، ولم يكونوا جزءا من مؤتمرات صلاح الدين و لندن وهذا ما يشفع لهم كثيرا عند جماهيرهم .
ان عودة وزراء المطلك والكربولي الى اجتماعات مجلس الوزراء لا تمثل عودة مسؤولين حكوميين يراد منها النظر بمطالب المتظاهرين فحسب ، ولا تمثل عملية رأب الصدع و تكحيل لحكومة المالكي و نصرته ، بقدر ما تمثل تجسيد حي لانطلاق المشروع العروبي بوجه مشروع الأخونة الذي يراد منه تفتيت وتقسيم العراق .
ان الصراع القادم بين المشروع العروبي و مشروع الأخونة ستكون محطته القادمة في انتخابات مجالس المحافظات محطة قاسية وذلك لأنها ستكون محطة صراع بين ارادة شعب عراقي مؤمن بمشروعه العروبي و بين ارادة اقليمية دولية تدفع باتجاه أخونة العراق ، فمن هو الذي سوف ينتصر ؟