18 ديسمبر، 2024 9:33 م

عودة شهرزاد أو نهوض الرواية العراقية بعد العام 2003

عودة شهرزاد أو نهوض الرواية العراقية بعد العام 2003

كتابة : الدكتور صادق رحمة محمد استاذ الشعر والنقد في كلية الاداب – الجامعة المستنصرية *
ترجمة : خضير اللامي .
اذا ابتدأنا من سمة ثيمة عنوان المقال عودة شهرزاد ؛ فإننا نعرف تماما أنها كانت الجارية الأخيرة التي قتلها الملك شهريار ، انتقاما من بنات حواء . لكن ماذا تعني هنا من وجهة نظر سارد المقال الدكتور صادق محمد ، الذي ترجمته من الانجليزية الى العربية .. دعونا نسرد مقالنا هذا ونرى !
على الرغم من أنَّ تأريخ السرد الطويل في العراق ، الذي يعود الى الألفية الخامسة لتقاليد السرد ؛ ذلك الذي تضمن الأساطير والخرافات ، والحكايات ، والسير الذاتية ، القصص الدينية ، رموز الحيوانات ، وفن السبك ، ناهيك عن مختلف قصص وصيغ سرد الفولكلور ، وقصص السرد الشفاهية؛ بوصف الرواية العراقية جنسا متميزا بشرت ببداياتها الحقيقية ، في منتصف ستينيات القرن التاسع عشر . وعلى كل حال ، فقد اختلف نقاد الادب بهذا الصدد . فقد رأى منهم أنّ التأريخ الحقيقي للرواية العراقية والعربية في الوجود هو، في المقام الأول جاء تحت تأثيرات الرواية الغربية . وكلتا الفكرتين لهما حجمهما المقنعان ايضا ، ولهما مطبّاتهما أيضا. وفي كل الحالات ، فإنّ الأعمال السردية الأولى التي ُطبِعت في العراق بوصفها الروايات التي يرجع تأريخ صدورها الى عشرينيات القرن التاسع عشر مع اعمال محمود احمد السيد) 1903 – 37 )، الذي كتب رواية من اجل الزواج ) 1921 ، وبؤس الفقراء ) 1922 ) ، ورائعته الادبية خالد جلال ) 1927) . والحقيقة أن روايته الاخيرة قد تناولها بعض النقاد بوصفها افضل رواية ، وربما تُعد الرواية الأولى له ، ورغم ذلك ، كانت موضع انتقاد بوصفها تحمل آيديولوجية رئيسة ؛ لهذا ، كانت بحاجة الى ثيمة وبناء فني . والبعض رأى أن رواية خالد جلال هي الأخرى قصة طويلة أكثر منها رواية . ولا تحتوى على اكثر من 103 صفحة .
والحقيقة ، أنًّ الرواية العراقية بحاجة الى انتظار حتى العام 1966، لتشهد بدايتها الحقيقية مع صدور رواية غائب طعمة فرمان ، النخلة والجيران . وفي السنين الأربعين بين 1927 – 1966، لتشهد البداية الحقيقية لطبع بعض الأعمال الروائية : المجنونان 1939 ، تأليف عبد الحق فاضل وروايته دكتور ابراهيم 1939 . وروايتي ذنون أيوب اليد والارض والماء، 1948 ، وجن القرى 1948 ، وقصة نهاية حب 1949 ، عبد الله نيازي . وفي خمسينيات القرن الماضي شهدت وعلى يد عبد الملك نوري وفؤاد التكرلي القصة القصيرة هنات . وهنا ، ليس ثمة رواية مهمة قد صدرت خلال هذا العقد .
أما الصراع النسوي مع السرد في تلك الحقبة بهدف إيجاد موضع قدم له في المشهد الأدبي الباتريركي السائد فيأتي مع طبع رواية حربية محمد ، من هو المتهم 1954 ، كما طبعت ليلى عبد القادر رواية نادية 1957 . وثمة ساردات أخريات في ذلك التأريخ منهن : آمنة حيدر الصدر ، وميادة الربيعي ، وسميرة الدراجي ، واعمالهن ، على كل حال ، صُنّفت بوصفها قصصا طويلة وليست روايات .
ولمعطيات ذلك الوضع ؛ فعلى المرء أنْ لا ينس حقيقة تأريخية ؛ تلك ، هي أن العراق يُعدّ بلد الشعر ، وليس بلد الرواية ، ذلك أن الشعراء في العراق ، مجدهم هوالشعر ليس إلاّ . وفي الحقيقة ، أنّ ملوك وحكام هذه الارض يكافؤون به بطريقة متميزة . كما يكافؤون الشعراء بسخاء عبر التأريخ ، وليس كّتاب النثر. وكان ساردو الفن يرون أن الفن السردي أدنى درجة من الشعر . ” فإنْ اخفق المرء أن يكون شاعرا ، فعليه أنْ يعود الى كتابة القصة .” وهذه حقيقة عامة بين الدوائر الأدبية . ورغم أن الظروف التي قادت الى نهوض الرواية بصفتها جنسا سرديا في بعض الاقطار العربية وبخاصة : مصر ، سوريا ، ولبنان . ” فهي لا تختلف عن الظروف التي قادت الى نهوض الرواية في العراق . والذي استمر يحمل تلك المهمة بوصفه بلد الشعر ؛ وليست الرواية حسب ، بل بين القرّاء العرب .
وبعد ذلك كله ، كان الشعر العربي قد بدأ في العراق في المقام الأول ، وكانت الحركات الشعرية الحداثية والمعاصرة في القرن العشرين انطلقت من الشعر العربي ذاته ، ومن ثم اجتاحت جميع البلدان العربية . وبالتالي ، تكرر القول المأثور” يبدأ الشعر في العراق وينتهي في مصر ؛ وتبدأ الرواية في مصر ، ولكنها تنتهي في العراق .” ويكتسح جيل ليضع محاولة لفهم ازدهار الشعر في العراق وليست الرواية . ويشرع بها غائب طعمة فرمان في روايته النخلة والجيران . تلى ذلك ، تأسيس الرواية بوصفها جنسا خامدا في الادب العراقي ومن ثم ُوضع الأساس للرواية بوصفها جنسا متميزا في الادب العراقي . ووضع فرمان الأساس أو الهيكل المطلوب ، وهو كتابة العمل الروائي الواقعي في العراق ومن ثمة تبعته اعمالا روائية واقعية . إذ كتب شاكر خصباك الحقد الاسود 1967 Black Malice في العام 1966؛ وكتب عبد الرزاق المطلبي الضامئون العام 1967 ، وكتب فرمان روايته الثانية ، خمسة اصوات ، في العام 1967 ، وفاضل العزاوي كتب االمخلوقات الجميلة 1969 ، وبناء على ذلك ، انطلقت مسيرة الرواية العراقية .

البداية الصعبة :
الرواية في عهد الدكتاتورية

وعلى كل حال ، ومن سوء الحظ ، تزامنت الرواية العراقية ، مع قيام الدكتاتورية العسكرية في العراق . ففي العام 1958، تحول النظام الملكي الى النظام الجمهوري بإنقلاب أطاح بذلك النظام . وفي العام 1966 ، تحولت البلاد الى ما يطلق عليها الجمهورية الثانية مع مجيء البعث الى السلطة لأول مرة العام 1963 . ومع نظامهم الدموي القصير سرعان ما حلَّ محلّه انقلاب آخر بلغ ذروته بعد مجيء البعثيين للسلطة مرة أخرى بإنقلاب آخر العام 1968.
ولم يخش البعثيون أي شيء اكثر من الكلام الحر . وهنا ، فإنّ أول شيء قاموا به بعد السيطرة على السلطة العام 1968 ، هو شرعنة تلك السلطة بما اطلقوا عليها الجمهورية العراقية ؛ أو قانون رقم 206. وهو القانون الذي أطقوا عليه النظام الجمهوري . وهو القانون الذي كان من المستحيل على المرء أنْ يكتب أيّ شيء يتعارض مع الآيديولوجية الحاكمة أو من يمثلها. وحرّموا ايضا أي نقد ضد الرئيس ، واعضاء ما يسمى مجلس قيادة الثورة ، أو أي هيأة رسمية تابعة لهما . وحرّموا أيضا أي نقد ” للثورة وآيديولوجياتها والنظام الجمهوري ومؤسساته كافة. أو أية آراء أو افعال تحمل دعاية لصالح الامبريالية أو آراء إنفصالية ، أو رجعية ، أو اقليمية ، أو صهيونية ، أو نازية ، أو المساعدة على زعزعة الاستقرار ، أو الأمن الخارجي ، أوما يحرّم اكثر من أيّ استخدام للعنف ، أو ما يوصف بالأخلاقيات العامة والشخصية .”
وكان من الواضح ، أن ذلك القانون أطلق العنان للشرطة لكبح أي شيء من هذا القبيل ، في مدح النظام ، أو أي شيء في جدول أعماله السياسية غيرالمنتظمة . وتحولت الكتابة الى لعبة كما لعبة الروليك الروسية . ذلك أن الأخ الاكبر يراقب سياستك التي طغت على مشهدك الادبي بكامله وجعلت من المستحيل على الرواية أن تصل الى طاقتها . وثمة الكثير من الأدباء طوعيا أو لا إراديا ، إضطروا الى هجرة البلد للبحث عن مكان للتمتع بحريتهم . وخلافا لذلك ، وآخرون ايضا ، قرروا البقاء في وطنهم بيد أنهم فضلوا الصمت أو الكتابات التي تبحث عن لجوء ميثيولوجي او التحدث عن احداث تأريخية قديمة . وبعبارة اخرى ، فإن روائيي تلك الحقبة الزمنية كتبوا روايات من ذلك النوع الذي امتنع عن الإشارة الى مشاكل الناس اوالتماس مع الواقع المؤلم الذي خلقه النظام الدكتاتوري فضلا عن عبثه وشتائمه .
وفي الحقيقة ، فإنَّ الحقبة ما بين العام 1968- 1980، شهدت إخصاء المجتمع كّله ، فضلا عن ترويض كتّابه . إذ أصدر نظام البعث القانون رقم 200 ، الذي يهدف الى تبعيث المجتمع ، وتحريم أي نشاط سياسي باستثناء حزب البعث ؛ والواقع ، أن القانون لا لبس فيه . إذ يؤكد على معاقبة أي شخص ينتمي الى حزب أي سياسي آخر . وليس ثمة رواية صغيرة أو كبيرة صدرت في تلك الحقبة داخل البلد.

ومن الطبيعي ، أن تتخذ رواية المنفى إتجاها متباينا ، ذلك أن سارديها في المجتمعات الحرة ، وجدوا الظروف المناسبة لإحباط التابوات داخل العراق . والشقة بين الإثنين ، ما زالت تتسع حتى وقتنا هذا . واغلب الأعمال السردية في هذه الحقبة هي ، القلعة أالخامسة لفاضل العزاوي 1972، ورواية عبد الرحمن مجيد الربيعي الوشم ، 1972 ، ورواية غائب طعمة فرمان ، المخاض ، 1974 ، ورواية الضحية 1975 ، وفؤاد التكرلي في روايته الرجع البعيد 1980 . ومن الواضح ، كان فرمان 1927 – 90 هو الذي أسهم بشكل كبير في التقدم الفني في الرواية العراقية ، ونهوضها بوصفها جنسا مميزا في الأدب العراقي في القرن العشرين ، وقد طبع جميع رواياته بينما كان يعيش في منفاه في موسكو .

 

تراجيديا الرماد : رواية الحرب

ونستطيع أن نطلق على الرواية العراقية في الحقبة بين العام 1980 – 2003 ، رواية الحرب . إذ شهدت هذه الحقبة حربين كارثيتين : الحرب العراقية – الإيرانية 88- 1980 ، وما تسمى حرب الخليج 1990 – 1991 . وتبعت هاتان الحربان ؛ حقبة طويلة من العقوبات الدولية ضد العراق ، واستمرت من العام 1991 حتى 2003 ، ثم تصاعدت في الغالب عقوبات مالية ، وحضرعلى البلد اقتصاديا. وهاتان الحربان خلّفتا علاماتهما على مظاهر الحياة العامة ، وبخاصة في الأدب ، ولم يألوا النظام جهدا لتوفير مصادر البلد لهاتين الحربين العبثيتين ، اذ رفعتا شعار ” كل شيء من أجل الحرب ” كان هذا الشعار ، في تلك الحقبة
. وبناء على ذلك ، ثمة جيل من الكتّاب بأكمله ، قد نشأ في أتون حقل حرب ، تنفس دخانها ، أستساغ نكهة دمها المراق ، مجّد وحشيتها حرفيا ، وتعلم بدقة في خنادقها في جبهات القتال . فقد قال السارد عبد الستار ناصر ” تأسست المدرسة من أجل هذا الجيل … حسنا ، قلت لنفسي : نعم ، إنها المدرسة .” اذن ، لا عجب ، ومن ثم ، إن هو قد كتب ” إن الدم يسفك وتبقى الأجساد ” طازجة ولذيذة ” من أجل الغربان والحشرات ودود الأرض ” وحين يصف جثث الجنود الإيرانيين في قصته “ في ليلة الخنادق ” ” أريد أن أراهم وهم موتى ” وكتب علي لفته سعيد في قصته “ . أريد أن اقتلهم ” : أريد أن أرى كيف يتصارعون من أجل الحياة ،” فقد قضيت ليلتي أبحث عن شخص ما لإلقاء القبض عليهم .” وكتب احمد خلف Borderline .”وحين امسك به فإني اقطع رأسه حالا ببندقية خلف رأسه وساسقطه على الارض حالا ؟”
كان السرد في تلك الحقبة قد أصيب بعدوى من هذا النوع من السادية sadism ، وهذا التصوير الغريب لمشاهد القتل ، والقتل العمد ، وحب الوطن المزيّف وبرعاية النظام ، وتمجيده الذي يمنح بسخاء ويكافيء هذا النوع من الكتّاب لانه يستخدمهم سلاحا لنشر حروبه . ولهذا السبب فإن اجهزة النظام الثقافية اطلقت على روايات تلك الحقبة ب ” قادسية صدام ” اشارة الى المعركة التاريخية التي حدثت بين العرب والفرس .
وعموما ، فإن هذه السرديات تحتاج الى ميزة فنية ؛ وهي تشكل ندبة في جسد الأدب العراقي الذي منع الرواية العراقية من النضج لتصل الى قمة طاقتها . كما ليس ثمة أسئلة لأسباب الحرب لإحباطها ، وليس ثمة معالجات عن كلفها أو أي ذكر لدور الشعب في هذا الشأن . وكانت الحرب ، تُعد هدية ايضا لكثيرعمّا كان يُكتب في المنفى ولكثير من رواياتهم ؛ بيد أنهم غادروا العراق . وثمة عدد من هؤلاء الروائيين الذين خدموا في الجيش العراقي ومن ثم غادروا الوطن . وتأتي جودة هذه الروايات متباينة الى حد ما ، فمعالجة هذه الحرب كانت افضل من الروايات واكثر واقعية مع بقية الروايات . ولسوء الحظ ،على كل حال ، قليل من الروائيين استطاع الوصول الى البلد وقليل منهم كان متاحا له هذا مقارنة مع الذين غادروه .
وفي هذه الحقبة ، ويا لمفارقات السخرية ؛ يعلن الدكتاتور نفسه بوصفه روائيا في المشهد الروائي العراقي . وربما في الخارج ايضا لحقبة طويلة في تقييم المشهد العراقي . وهكذا ، كتب صدام حسين أربع روايات هي ، زبيبة والملك 2000 ، والقلعة ، ورواية الرجال والمدينة 2002 ، والنحلة ، واخيرا ، الشياطين . 2003 .

بداية جديدة بعد العام 2003

بعد اكثر من ثلاثة عقود على حروب الدكتاتور، والعقوبات الدولية، قاد نظام البعث البلد الى دمار وغزو . وإذ قد تحرر البلد أخيرا من إحدى أسوأ الدكتاتوريات في تأريخ الانسانية ؛ ولكن ، يا لسوء الحظ ، كانت الأوضاع أسوأ والثمن كان باهظا . فقد تلاشت حالا جميع أحلام السلام والتقدم ، والإزدهار ، بسبب دائرة عنف الإرهاب ؛ فضلا عن الحرب الطائفية . فسوء تخطيط الإحتلال وغباء بعض مؤسساته فتحت صندوق باندورا ، وكلّ مساويء العالم قد تلاشت هباء . فضلا عن أنّ الديمقراطية الوليدة إسيء استخدامها نتيجة لذلك ، ورغم هذا ، فإن نظام الرقابة التي كانت قابضة عليه الدكتاتورية، ولأول مرة ، وجد الروائيون أنهم احرار لممارسة الكتابة عن أي شيء يرغبون فيه دون خوف من اضطهاد أجهزة النظام ، وقد كُتبت مئات الروائيات بين العام 2003 والعام 2017 . وقُيمت تلك الحقبة الزمنية التي شهدت كتابة اكثر من 850 عملا روائيا ، ويُعد هذا الرقم اكثر من العدد الذي طُبع في تأريخ الرواية العراقية . وهكذا ، فإن نظام التابووات الذي اسسه الدكتاتور قد اصبح في خبر كان . وإنَّ ثالوث الجنس ، والسياسة ، والدين الذي صاغه النظام الدكتاتوري غير المقدس قد تحول الى هباء في الهواء ، وتوقفت التابوات .

ومنذ البداية ، فإنًّ الاكليركيين للنظام البائد ، الذين ما زالوا في مواقعهم في وزارة الثقافة بعد التغيير ، يصرون على لعب دورهم القديم بوصفهم اكثر َمَلكيّة من الملك واكثر كاثوليكية من كاثوليكية البابا ذاته في النظام الثقافي الجديد ، والمعيّن ذاتيا بوصفه رقيبا في دائرة الشؤون الثقافية ، فعلى سبيل المثال ، لا الحصر ، فقد رفض طبع رواية للروائي العراقي محمد سعدون السباهي لأنه عدّها غير مناسبة ، وربما تثير حساسية .” ومن وجهة نظره . وفي الحقيقة ، أن الرواية تنتقد جزئيا الوضع في بعض الجامعات بعد العام 2003 . وثمة رواية أخرى ، للسارد سلام ابراهيم قد رُفضت هي الاخرى لأنها – و- كما يزعم ذلك الرقيب ، ذات طبيعة ايروتيكية ” ويا لسوء الحظ ، أنّ هذا النموذج من الرقابة الاثارية لا يمثل نزعة عامة او اتجاها . وسرعان ما توارى وطُرد من الوظيفة .
إنَّ تدفق العمل الروائي السردي الذي قاد البلد على مدى قرون يفتخر بوصفه موطن الشعر حسب ، وما يثير دهشتنا ، ذلك ان خطورة الوضع الأمني الجديد فيه مثل الحرب الاهلية ، والهجمات الإرهابية ، في كل يوم تُعد خرابا غير مسبوق ، في الشوارع الرئيسة للمدن الكبيرة النوعية ، تتطلب وضع اقدامها على الارض اكثر من الشعر ذاته .هكذا ، فإن الرواية تتطلب مشهدا أدبيا لأول مرة في تأريخ البلد . فضلا عن ذلك ، فإن الظروف الخطيرة للبلد تعزز النزعة الواقعية في كتابة الرواية الحديثة . ويبحث الروائيون بعمق عن ويحفرون عن الاسباب الحقيقية التي قادت البلد الى ظروفه الحالية – وعلى سبيل المثال ، لا الحصر، التركيز على الاحداث التي سبقت العام 2003 – او التعامل مع اللحظةالراهنة بالنظر الى أسباب موجات العنف التي اكتسحت البلد وسببت المذابح فضلا عن مئات الالاف من النازحين .
” إنًّ جميع الروايات هي اقرب الى الحقيقة من الخيال في مملكة الجحيم ولكن الواقع يتحول الى نوع من الخيال والعكس صحيح .” يقول الروائي هيثم الشويلي في مستهل روايته “ يوم القيامة .” التي غاصت في الاحداث التي سبقت احداث العام 2003 ، وقادت البلد الى الاوضاع الحالية .
أما رواية على لفته سعيد ، مثلث الموت ، فأِنه ؛ أي سعيد ، يزيح الستار عن أسباب العنف الطائفي ويصل بنا الى الخاتمة : أنّ العنف هو صناعة وطنية ؛ ويمكن صناعته عن طريق ما يسمى مثلث الموت الذي انشأته طبقة الحكام ، وهما الشيعة والسنة .” تمتد الجيوش الى مسافات على مدى الرؤيا مؤلفة من قبائل الأوس والخزرج واقفون أمام باب نومي ، يطرقونه بسيوفهم : إنهم جنود التاج ، جيش السماء ، جيش القتلة ، جيش المخبرين ، جيش الخلفاء ، جيش الحلفاء . قال نصيف فلك في روايته ، Qiyamaut ، إن الرواية درست بدقة وبالتفاصيل المسهبة العنف الطائفي واسبابه السياسية والدينية .
إما احمد سعداوي في روايته فرانكشتاين في بغداد فهي تقدم لنا صورة واقعية عن العنف وضحاياه في العراق بعد العام 2003 ، فالشخصية الرئيسة ، هادي العتّاق بائع الخردة العتيقة في البتاوين، وسط بغداد ، الذي يجمع اعضاء بشرية لضحايا الإرهاب والهدف من ذلك كله ، كما زعم هادي ليجعل الحكومة شأن تلك الاعضاء البشرية التي تعود الى شخصيات ، تستحق الدفن الذي يليق بها . والنتيجة هي ، أن ذلك الوحش برز فجأة وذهب الى الاغتصاب مرة ثانية لينتقم من قتلته مالكي تلك الاعضاء ” انا الذي يجيب عن نداءات جميع ذلك الحطام انني انا المنقذ ، منتظرا شخصا ما ، رغبة ما ، ومتلهفا الى شخص ما من هذا النوع ، الى عتلات مخفية تحولت الى شيء مفعل .

ورواية فرانكشتاين في بغداد حصلت على جائزة بغداد العالمية للعمل السردي العربي IPAF في العام 2014 . والتي كتبت اللجنة المكافئة لها . ما يلي في تقريرها النهائي عن اختيارها هذه الرواية للجائزة : منحت اللجنة هذه الرواية الجائزة لأنها … عملية ابداعية ، وان الإبداع يكمن في البناء السردي ، وبخاصة في تصويرها شخصية الشيسما الشخصية الرئيسة .” إن هذه الشخصية تشخص نموذج ومستوى العنف الذي اصاب العراق ، والبلدان العربية ، والحقيقة ، اصاب العالم اجمعه في عصرنا هذا . وتحتوي الرواية فضلا عن ذلك ، مختلف مستويات الكتابة النوعية
، متعددة الأوجه . لهذا ، ولإسباب أخرى كثيرة ، تشكل إسهاما مهمّا في السرد العربي . فضلا عن ترجمتها الى اللغة الانجليزية والفرنسية، والفارسية ، والايطالية ، والاسبانية ، والتركية ، وحتى اللغة البوسنية .
إن الرواية العراقية ، بعد ذلك ، قد وصلت نضجها وفي الختام ؛ ان الرواية العربية ضمنت مكانا مهما في خارطة الاداب الوطنية والعالمية ..
صدر المقال باللغة الانجليزية في مجلة :
WORLD Literature Today –OKLAHOMA
MARCH- APRIL 2018
\\\\