” نحن نريد ان نبني دولة ، وليس بناء كيانات حزبية ، نريد دولة المواطن ، دولة الانسان ، حتى مفهوم اغلبية واقلية نرفضه ، نريد دولة المواطنة ” .
أتمنى ان لايذهب بكم الخيال بعيدا ، وتعتقدون انها عبارة قالها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وهو يشكل حكومته الجديدة ، او انها صدرت عن رئيس وزراء اليابان .
انها ياسادة صدرت عن رئيس وزرائنا السابق نوري المالكي ، والذي يتولى حاليا منصب نائب رئيس الجمهورية ، وفيها يخبرنا فخامته ان المسافة بين ” الهزل ” و ” الجد “، قصيرة إلى حد لا نعرف هل هذا الحديث ” سخرية ” أم مجرد حوار تلفزيوني ، يحاول من خلاله السيد المالكي ان يقدم صورة وردية لما جرى للعراق خلال السنوات الماضية .
العبارة قالها السيد المالكي بجدية دون أن يبتسم، لكنه في الوقت نفسه يريد إثارة الضحك عند العراقيين والسخرية من تساؤلاتهم حول موازنات انفجارية تجاوزت الـ700 مليار دولار ، لم يتبق منها سوى ستة مليارات عدا ونقدا .
ما قاله المالكي، جعلني أعترف بأن في هذه البلاد ما يضحك، وبأننا شعب نجيد فن النكتة، على عكس ما يشاع عنا، وأن بإمكاننا أن ننفجر، في ضحكة عالية، سرعان ما تتحول شيئا فشيئا إلى قهقهات، ثم إلى زئير. وإذا ما سُئلنا بعد سنوات عن سبب ضحكنا، سنجيب بكل بساطة: آسفون إننا لم نفهم النكتة جيداً!
ولهذا أعتقد أن السيد المالكي يستحق بجدارة لقب الشخصية الأكثر فكاهة، وهذا من باب التفسير “ليست تهمة”، والدليل انه يريد ان يقنع المشاهد ” المسكين ان الجنرال بترايوس الذى تولى قيادة القوات الاميركية في العراق ، كان متحمسا لقانون البنى التحتية ، وحتى يضيف بعض من التوابل للحكاية ، يفشي لنا سراً خطير ، خلاصته ان المدعو بترايوس دكتوراه في الاقتصاد ، ولهذا عندما وضع انفه في قانون البنى التحتية كان من باب الاختصاص ، وكنت اتمنى على المالكي قبل ان يحشر اسم بترايوس ، ان يقوم برحلة بحث على قارب المستر غوغل ليعرف ان علاقة بترايوس بالاقتصاد ، مثل علاقة عباس البياتي بالطاقة النووية .
السخرية فن تنشيط الذاكرة ، كما يخبرنا صاحب الكتاب الظريف ” الولد الشقي ” محمود السعدني ، الذي صادف انني كنت اعيد قراءة كتابه الممتع هذا ، وفي احد فصوله يحدثنا عن المسؤول الذي يصر على ان ” يعيش المواطن في العصر الحميري أغلب حياته في ظل الوهم وفي ظل الخديعة، ويعيش في انتظار الوهم الذي سيتحقق بفضل قيادة وتوجيهات وتعليمات وإرشادات وتخطيطات الزعيم الملهم، الذي بسببه تتحول الديمقراطية الى نكتة ، ويُسحق المواطن المسكين تحت الأقدام”
ويروي لنا السعدني أن الممثل الشهير يوسف وهبي ذهب إلى احدى القرى ليقدم مسرحية راسبوتين بصوته الجهوري. وإذ وصل في الأداء إلى ذروته صرخ احد المتفرجين : ” ما تسيبك من النكد ده يا يوسف بيه وغني لنا مونولوج فرايحي لشكوكو ” .
يتغير كل شيء فى العراق، تسقط مدن ويشرد الملايين، وترتفع ارقام الضحايا، لكن الحاج مصر على تمثيل دور راسبوتين .