18 ديسمبر، 2024 9:17 م

عودة الى موضوع المجلات البحثية والنشر العلمي

عودة الى موضوع المجلات البحثية والنشر العلمي

لقد سبق أن كتبنا كثيرا حول أزمة المجلات العلمية والأكاديمية المحلية، وأزمة النشر العلمي في المجلات “العالمية” الزائفة، وأزمة البحث العلمي الرصين من منطلق الحفاظ على سمعة الجامعات العراقية، وأيضا ابتغاء للمصلحة الوطنية منطلقين من دافع الحرص على دفع عجلة التقدم العلمي والتكنولوجي في العراق. ولكن ما يدفعنا لفتح هذا الموضوع مجددا، هو اصرار عدد كبير من الكليات في الجامعات العراقية على اصدار مجلات جديدة بحيث وصل الى اكثر من 245 مجلة، ولربما فاق هذا اعداد المجلات الثقافية والسياسية والرياضية مجتمعة، وما يدفعنا ايضا للكتابة تجاهل عدد كبير من الباحثين والتدريسيين لحقيقة كون معظم المجلات البحثية التي تصدر على الشبكة العنكبوتية والتي ليس لها طبعات ورقية هي مجلات زائفة.

 

ليس هناك اي سبب ودافع معقول ومقبول لكي تصدر الكليات مجلات علمية لنشر البحوث باسمها فهذا ليس عملا مألوفا لأسباب عديدة منها اولا، ان اصدار المجلات البحثية ليس من اختصاص الكليات ولا الجامعات، وثانيا، انها تلغي استقلالية النشر وقد تشجع الفساد العلمي، وثالثا، تحرف الاهتمام بالنشر في المجلات العلمية العالمية الرصينة، ورابعا، تزيد من التشتت وضياع مجهود الباحثين لصعوبة الاطلاع على اعمالهم، وخامسا، تضعف مستوى البحث وتزيد من السرقات والاقتباسات العلمية غير المشروعة، وسادسا، تضيف ثقلا ماليا إضافيا غير ضروري على كاهل ميزانية التعليم العالي والبحث العلمي.

 

السؤال الذي نطرحه على الكليات هو: ما هي ضرورة اصدار هذه المجلات في ظل اوضاع انحسار الموارد المالية المخصصة للبحث العلمي، ووجود مجلات علمية تصدرها جمعيات ومؤسسات عراقية وعربية وعالمية واسعة التوزيع والاهتمام؟ هل توجد اي دراسة تثبت فيها ضرورة و أهمية هذه المجلات لنشر البحث العلمي الرصين بداخل العراق؟ هل هناك ندرة في المجلات العلمية المتخصصة؟ هل توجد اية دراسة تبين مدى الاهتمام بها من قبل الباحثين ونسبة الاطلاع عليها والاشارة الى بحوثها؟ هل ان اصدار مجلة علمية لا يخضع الى قانون العرض والطلب؟ ولماذا لا تصدر مجلة عراقية واحدة مشتركة لكل فرع من فروع المعرفة الاساسية بدلا من اصدار مجلة لكل كلية وقسم ومركز ومؤسسة علمية؟ هل اغراق السوق بالمجلات العلمية دليل على كثرة البحوث العلمية في العراق ام انه لتحقيق اغراض اخرى؟

 

المجلات العلمية المحلية لربما تصبح مقابر لطمر البحوث الضعيفة والأعمال المسروقة فبالرغم من المساعي الحميدة لرؤساء التحرير ورغباتهم المشروعة في تحسين صورتها بضم علماء مغتربين الى عضوية لجان التحرير وتشجيع الباحثين على نشر بحوث رصينة فيها، ومحاولاتهم الجدية للحصول على اعتراف دولي وحرصهم الكبير على تحسين صورة البحث العلمي في العراق، الا انه ومع الاسف كثيرا ما توقع هذه المحاولات في مصيدة الخداع التي تقوم به مؤسسات دولية زائفة بمنح هذه المجلات اعتراف كاذب. ومثل هذه المؤسسات التجارية والربحية: معامل التأثير الكروي (GIF) ومعامل تأثير المجلات (JIF) ومعامل التأثير الدولي (UIF) والتي تحاول تقليد مُعامل التأثير (IF) الحقيقي والمجاني، والذي تصدره مؤسسة تومبسن رويترز (Thompson Reuters). ولكي تنطلي حيلها على المجلات المغمورة وتلك التي تسعى الى التميز ظاهريا تقوم هذه المؤسسات الزائفة بوضع كثير من المجلات العالمية المعروفة في صدارة قوائمها ومن دون طلب من هذه المجلات اصلا، وتمنح عامل التأثير في خلال اسابيع او ايام معدودة (طبعا مقابل اجور) وبصورة مضحكة حتى لتلك المجلات التي لم يصدر عددا واحدا منها. ومن المؤلم ان لا ترى المجلات المحلية خطورة هذا التحايل من قبل المؤسسات الزائفة على رصانة المجلة والسمعة العالمية لها، ولسبب بسيط ان كل مجلة تستخدم معامل تأثير زائف تبدو للاكاديمي الرصين زائفة ايضا.

 

اما بشأن النشر العلمي المزيف عن طريق الانترنت فقد بدأت هذه الخدعة قبل عدة سنوات من قبل بعض المواقع التي تستخدم عناوين بريدية اوربية او امريكية زائفة وتدعي بأنها دور نشر لمجلات عالمية في اختصاصات مختلفة تنتشر اعلاناتها عن طريق المخاطبة بالبريد الالكتروني لتشجيع الباحثين بالنشر في مجلات من نوع  (Open Access)، وتطالب بدفع مبالغ نقدية مقابل النشر. هذه المجلات يصدرها ناس لا علاقة لهم بالعلم والبحث العلمي، ويستغلون اسماء علمية حقيقية او وهمية كمحررين (علما ان اسمي ظهر في مجلتين كمحرر، على حد معرفتي، ولم افلح في حذفه لحد الان)، وتستخدم هذه المجلات نفس الاسلوب الذي تتبعه المجلات الرصينة والمفتوحة بأسلوب المراجعة وان لم تكن هذه المراجعة حقيقية، ولذا تقبل كل البحوث التي تقدم اليها للنشر حتى ولو كانت تافهة ومضحكة. وقد تم اثبات هذا النوع من النشر التافه من قبل باحثين عالميين. ان هذه المجلات الالكترونية أصبحت آفة لخداع الباحثين ومثلها مثل الشهادات المزورة. للمثال افتح الرابط الذي يضم عددا كبيرا من اسماء المجلات الزائفة وتعليقات تؤكد اخذ الحذر من الوقوع في فخها: 

http://scholarlyoa.com/publishers/

 

وقد يتحجج البعض بان عددا من المجلات العالمية تطلب أجورا للنشر وهذا صحيح إلا انها مجلات رصينة والأجور المستحصلة تضخ في تطوير البحث العلمي والجوائز والحوافز وأمور اخرى لذلك فهي غير ربحية وهي عادة تصدر عن دور نشر عالمية ومنظمات ومؤسسات علمية عالمية  معترف بها. ومن يقول ان (Open access online publications) هو ايضا اصبح شائعا، ولكن هذا النوع له قواعده ومؤسساته العالمية المعترف بها والمجلات التي تصدر بهذه الطريقة تنشر عادة من قبل مؤسسات معروفة، والأجور لا تؤخذ من باحثي الدول النامية والتي مستوى المعيشة منخفض فيها. هذا واحب ان اضيف رهانا وهو استعدادي لنشر اي بحث مهما كان سخيفا او مضحكا في اي مجلة من هذه المجلات لغرض اثبات زيف هذه المجلات للاكاديمين العراقيين ولوزارة التعليم العالي وللجامعات. كما اني مستعد ان اضع اسم اي اكاديمي بين عضوية هيئات التحرير لاي مجلة من هذا النوع، واستطيع اثبات ادعائي وذلك بأصدار مجلات عالمية “زائفة” ذات معامل تأثير “زائف” يرأسها عراقيين وبعضوية اكاديميين من جامعات عالمية اذا ما اصرت الوزارة والجامعات العراقية على عدم تصديقي والعمل بنصائحي.

 

لذا اقترح على وزارة التعليم العالي ان تصدر تعليمات محددة تؤكد على ضرورة طلب المشورة قبل ارسال البحث الى النشر، وان تؤكد هذه التعليمات على تجنب المجلات الالكترونية المشكوك فيها واعتماد فلسفة “النشرية التي لا يقرأها احد الا الباحث نفسه لا فائدة منها” لان نشر البحوث ليس غرضه الترقية وانما نشرالمعرفة لغرض استفادة العالم منها.  كما ارجوا التأكد من رصانة المجلة العلمية لغرض الترقية او المكافئة، وانا على استعداد لتقديم المشورة لكل باحث يرغب في النشر في مجلة عالمية، ولكل مجلة محلية ترغب في التميز والعالمية.