قطرة المطر تحفر في الصخر .. ليس بالعنف ولكن بالتكرار ..
لا تتبلور الأفكار وتتحول إلى واقع إلا بعد جهود كبيرة …الثورة تبدأ بكلمة , والتغيير البنّاء لا يأتي باليأس إنما الإصرار ومواصلة النهج المتطلّع لبناء الإنسان قبل كل شيء , ذلك النهج المبني على أستشراف دقيق لا يتمكن منه إلا الكبار , لذا فهم يضعون الحلول لأزماتٍ توقعوا حدوثها . أخيراً ينجحون عند توافر العوامل المساعدة للنجاح .
وما عملية الحراك السياسي الرامية لتجاوز الأزمة بين المركز والإقليم إلا مصداق على ذلك , تلك العملية التي أخذت أبعاد أخرى بعد إعلان نتائج الانتخابات , وفد كردستاني بضيافة رئيس الوزراء وآخر حكومي يزور أربيل .. وأهم ما تمخّض عن هذه الأجواء , هو التهدئة وإنهاء الحرب الإعلامية المستعرة منذ تشكيل هذه الحكومة ..أصبح أمر عودة العلاقة طبيعي بعد أن عدّه البعض ضرباً من الخيال, وهذا لم يأتي غفلة أو دون مقدمات , إنما كان حصيلة رؤية وجهود وتغيير في الخارطة السياسية أفرزته نتائج الأنتخابات الأخيرة , ولعل هذا هو العامل المساعد الأهم . قد تُطرح فرضية مفادها : أن أزمة الأنبار هي الدافع الذي جعل السيد المالكي يلتجأ إلى أربيل مرة أخرى .. لكنَ هذه الفرضية ضعيفة أذا ما قورنت بالأحداث الجارية منذ تشكيل هذه الحكومة .. فلا يُخفى على أحد أن الازمة السابقة كانت تضم (الكرد ,السنة ,والتيار الصدري ) مقابل جبهة المالكي المدّعمة بأطراف مهمة داخل التحالف الوطني , أهمها المجلس الأعلى الرافض لمشروع سحب الثقة .. من هنا نعرف أن دولة القانون , لم تكن مهتمة كثيراً باستمالة أي جهة , لرفضها مفردة (الشراكة ) , وكل حركتها السابقة تنطلق من مبدأ الأغلبية ومناغمة الشارع (طائفياً ) . أضافة إلى أن الكرد لا يمكن أن ينصاعوا لميول رئيس الوزراء التي تفرضها عليه الظروف .
اليوم وبعد عودة عرّاب التهدئة والحوار من أربيل إثر زيارة أستمرت أيام , يقوم رئيس الوزراء بلقائه ..الموضوع مترابط , لم يعد ممكناً العودة إلى الوراء , خسرت كتلة القانون أصوات مليون ناخب تقريباً , من جهة أخرى أرتفعت أصوات كتلة المواطن ,هذا يعتبر مؤشر رفض لسياسة الحكومة وتعاملها مع الأحداث ..الأمر الذي جعل قرار (المواطن ) مؤثراً داخل التحالف الوطني وضاغطاً بأتجاه حسم الملفات المثيرة عبر حوار شامل يقوم على أسس أهمها , مغادرة لغة التصعيد .
أرى أن الطاولة المستديرة فكرة أقتنع بها الجميع وبأنتظار التطبيق .. لا ينقصها سوى عودة الشريك الآخر إلى الإطار الوطني ببراءة معلنة من الرؤوس الطائفية المحرّضة على الفتنة .