19 ديسمبر، 2024 11:08 م

عودة الانتحاريين.. ماذا عن الصراع الانتخابي؟

عودة الانتحاريين.. ماذا عن الصراع الانتخابي؟

في مشهد مفزع يظهر صبي يبيع الشاي ملقى على الارض وبجانبه ادواته الخاصة بعمله من اقداح وابريق يحفظ حرارة الشاي، بعد تحوله لجثة هامدة عصف بها تفجيران انتحاريان استهدفا سوقا يرتاده الفقراء وساحة الطيران في منطقة الباب الشرقي، التي تتوسط العاصمة بغداد، ليذكرنا بصباحات دامية غابت عن الاخبار العاجلة في وسائل الاعلام منذ ثلاث سنوات او اكثر، واعتقدنا انها اصبحت ضمن الماضي الذي يحفظه سجل التاريخ.

فالصبي الذي وصل باكرا لمكان عمله مع الشاي الساخن ليضمن حصوله على بضعة دنانير يحاول من خلالها مواجهة “عوز” اسرته، لم يعلم بانه كان على موعد مع انتحاري يبحث عن “صيد ثمين” يلبي رغباته المريضة بالانتقام من “عباد الله”، لتتحول احلام عائلته بانتظار عودته محملا بما يسد قوتهم ليوم واحد، الى كابوس لا تستطيع بيانات الادانة والاستنكار التي اعلنتها القوى السياسية ولا تبريرات الحكومة التخفيف من وجعه الذي سيتكرر مع اصوات بائعي الشاي وهم ينادون: “كَلاص بربع (أي قدح الشاي بـ250 دينارا ما يعادل 20 سنتا)، وفي مشهد مأساوي اخر عاد الاب “المفجوع” مِن سوق “البالة” بمفرده هذه المرة، فالاخوان عمر وعلي اللذان اعتادا على مرافقة والدهما في عمله بائعا للملابس المستعملة، تحملهما نعوش خشبية، استقبلتهما الام بالصراخ والدموع، بدلا من الابتسامة، ليكون نعي الاب وهو ينادي من حوله بكلمات “مات ولداي.. يا ناس راح عمر وعلي”، ترنيمة حزن ابكت جميع الموجودين في الحي الشعبي الذي احتضن ذكرياتهما بين طرقاته وجدران بيوته واوصل رسالة بان قاتل عمر وعلي هي جهة واحدة، مهما اختلفت الاساليب.

وعلى الرغم من تعدد القصص التي خلفها انتحاريو الاحزمة الناسفة والتفاوت في حجم مأساتها والتي لو حصلت في دولة اخرى تحترم الانسان وحقه بالحياة، لشاهدنا في “اضعف الايمان” استقالة المسؤولين عن “الفشل الامني” او استنفارا عاما لدى السياسيين بدلا من الاكتفاء بتوجيه الاتهامات وتوزعيها هنا وهناك بحسب التبعية وجهات التمويل، لكن أكثر ما يثير الغرابة تحرك رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لإقالة مسؤولين في الاجهزة الأمنية واستبدالهم باخرين لدى بعضهم تجارب سابقة “غير ناجحة” خلال سنوات كانت تسجل بغداد والمحافظات حينها يوميا انفجار عشرات السيارات الملغومة والهجمات الانتحارية، لا تقل “فجيعة” عن مجزرة ساحة الطيران، وكأن المؤسسات الامنية عجزت عن تقديم الكفاءات المعروفة بالنزيهة، ليتم العودة للفريق أحمد ابو رغيف بتسليمه ملف الاستخبارات، إضافة لمنصبين في رئاسة المعهد العالي للتطوير الامني والاداري وادارة لجنة مكافحة الفساد “سيئة الصيت”، لكونها تساوم المعتقلين بتهم الفساد بين التعذيب او الافراج عنهم مقابل “دفع الدية”، متجاهلا بأن التعامل مع خلايا الانتحاريين المسؤول عنه بالمرتبة الاولى، المعلومة الاستخبارية وهذه تتعلق ايضا بجهاز المخابرات الذي ما زال الكاظمي يتمسك برئاسته، على الرغم من مرور ثمانية اشهر على وجوده في كرسي القائد العام للقوات المسلحة، فكان عليه الاستقالة من ادارته للجهاز، قبل محاسبة مسؤولين ادنى منه.

هنا نقف كحال “عباد الله” لنطرح العديد من التساؤلات عن اسباب عودة التفجيرات بهذه الطريقة بعد يومين على تأجيل الانتخابات البرلمانية حتى العاشر من شهر تشرين الاول المقبل بقرار من رئيس الوزراء، لنجد اجابة واضحة لا تقبل التفسير، قد يكون “الصراع الانتخابي” الذي انطلق باكرا قبل الموعد المبكر للاقتراع، نعم.. لا تستغربوا فكل شيء مباح في هذا الصراع، الذي يشغل رئيس الوزراء عن متابعة مهامه في حفظ أمن البلاد والعباد من اجل تأسيس حزبه ليضمن استمرار وجوده في السلطة، حتى لو كان على حساب الفشل الامني وتناثر اشلاء الفقراء، بانتحاريي التنظيمات الارهابية، فمن خلال احصائية بسيطة تظهر بمجرد البحث عن “ساحة الطيران” في محرك “غوغل” ستجد انه خلال فترات المفاوضات لتشكيل الحكومات او الاستعداد للانتخابات من العام 2011 وحتى العام 2018، نحو تسعة تفجيرات انتحارية استهدفت الساحة، وصل عدد ضحاياها لأكثر من 958 بين شهيد وجريح، فهل علينا الاستعداد لفقدان المزيد مِن الابرياء، مع تناقص عدد الاشهر عن تاريخ الانتخابات.

الخلاصة.. إن اعلان المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول بان القوات الامنية كانت تطارد انتحاريي الباب الشرقي قبل تفجير نفسيهما، كارثة حقيقية في العمل الامني لا يمكن تجاوزها، فكيف سمحت القوة التي كان تلاحقهم بدخولهم لمنطقة “مزدحمة” بالمواطنين والباعة بهذه الطريقة، لماذا لم تتخذ تلك القوة قرارا بمعالجتهما، في حين يؤكد حديث سيادة اللواء بان هويتيهما مكشوفة، اذا لماذا لم يعلن عنها حتى الان؟.. اخيرا.. السؤال الذي لابد منه.. متى تفهم القوى السياسية شرف المنافسة لمنع قتل الابرياء؟

أحدث المقالات

أحدث المقالات