كل مامر به العالم من اضطرابات خلال العقدين والنصف الاخيرة كانت بسبب التفرد من قبل القطب الواحد فالعالم ليس كالسفينة يجب ان يكون لها ربان واحد لكي لاتغرق بل على العكس اذا كان له قطب او ربان واحد سيغرق لحدوث اختلال في التوازن .في زمن التوازن الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي او بين حلف الاطلنطي وحلف وارسو كان العالم اهدأ وخصوصا الشرق الاوسط لان الطرفين يعرفان اهميته وانه من اخطر المناطق في العالم وكان التوازن الاستراتيجي في المنطقة اشد وضوحا من غيرها وعندما حدثت حروب 1956 و1967 و1973 بين العرب واسرائيل تدخلت القوى العظمى لتوقف هذه الحروب خلال ساعات . بدأ النظام العالمي القديم يهتز من خلال المحاولات الغربية للتفرد بهذا النظام ومن خلال محاولات مستمرة لتدمير الاتحاد السوفيتي ودول المنظومة الاخرى وذلك بأستغلال نقاط الضعف في المنظومة السياسية والاقتصادية والعقائدية للاتحاد السوفيتي والمنظومة الشيوعية بشكل عام واستغلال الفوارق الاقتصادية والاجتماعية والتربوية و الايديولوجية واستغلال الاعلام وفارق الرفاهية بين شعوب المنظومتين ومع ثمانينات القرن الماضي كانت دول حلف وارسو في اسوأ اوضاعها الاقتصادية ومع وصول الجيل الثاني للقيادة في الاتحاد السوفيتي وتراخي السطوة العقائدية للجيل الاول الذي بنى الدولة وعدم وجود خطة منظمة للتطوير ومتفق عليها من قبل جميع القيادات كما حدث في الصين بدأت قبضة الاتحاد السوفيتي بالتراخي في دول شرق اوربا مما ادى الى ظهور وحدوث نزعات استقلالية ايديولوجية انتهت بفصم علاقاتها مع قطبها الذي كانت تدور حوله فيما بعد. ادى دخول القوات السوفيتية الى افغانستان لدعم الانقلاب الشيوعي الى قيام الغرب باكبر حملة عالمية لتجنيد المتطوعين المسلمين للذهاب الى افغانستان لمحاربة الاحتلال الشيوعي لبلد مسلم وقامت دول اسلامية موالية للغرب بدعم هذه الحملة مما ادى الى اسقاط النظام الشيوعي في افغانستان وانسحاب القوات السوفيتية منها وحدوث فوضى الحرب الاهلية بين المنظمات الجهادية ونشوء الفكر الجهادي المتطرف ,على الجانب الاخر اي المنظومة الشيوعية أدى ذلك الى حدوث عوامل ضاغطة كبيرة داخل هذه المنظومة والاتحاد السوفيتي مما ادى الى انهيارها وخروج دول حلف وارسو وتفتته و وقوع اغلب دوله تحت تأثير الغرب واسقاط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفيتي وتشظيه الى (15) دولة . ادى اللعب الغربي بالنظام العالمي الى فترة ربع قرن من سيطرة نظام القطب الواحد الامريكي على النظام العالمي وسيادة افكار ماسمي بالعولمة والنظام العالمي الجديد الذي ارادت امريكا (واتباعها من الانظمة الغربية ) حكم العالم من خلاله وقد قامت امريكا برعاية تفكيك كل ما يمت للعالم القديم كيوغسلافيا وغيرها ولكنها اصطدمت بانظمة شرسة ككوريا الشمالية عندما حاولت الضغط عليها وتطبيق البرنامج التفكيكي الخاص بها مما ادى الى تراجع امريكا عن التدخل بشؤونها.ونتيجة لتفرد القطب الواحد ودخول روسيا في فترة من الفوضى قامت امريكا وذيولها باحتلال افغانستان بعد احداث 11 ايلول في ما سمي بالحرب على الارهاب ثم قامت باحتلال العراق لبديء تطبيق ماسمي بالشرق الاوسط الجديد وعندما بدأت بالتبشير بهذا المشروع بدأت دول الشرق الاوسط وحتى الدول التي ساعدتها في احتلال العراق بالعمل ضد مشروعها بشكل او باخر فغيرت امريكا من خططها بعد الفشل العسكري الذي منيت به في العراق والخسائر غير المتوقعة التي اصابت جيوشها الى خطة جديدة لاحداث تغيير في المنطقة من خلال ماسمي بثورات الربيع العربي وقد نجحت في تغيير الانظمة السابقة في تونس ومصر وليبيا واليمن وفشلت في سوريا . في هذه المرحلة بدأت روسيا بالدخول على خط الازمة لمنع سقوط النظام السوري واعتبرت اسقاطه خطا احمرا. بدأت روسيا باعادة بناء نفسها بعد تولي بوتين للرئاسة للمرة الثالثة واعادة مركزها كدولة عظمى وقطب ثاني كالاتحاد السوفيتي سابقا وقد قاومت اسقاط النظام السوري بشكل لم يحدث سابقا لاي من حلفائها,ان اللعب الذي مارسته العقلية الامريكية في العالم وخصوصا الشرق الاوسط ومحاولتها احداث تغييرات غير معروفة النتائج وادخال منطقة الشرق الاوسط في فوضى وهي منطقة صراع تاريخي منذ القدم استفز الدول الكبيرة مما ادى الى تشكل قوى اقليمية رافضة لذلك ومحاولات للتصدي للمشروع الامريكي الغربي وكان الانقلاب على حكم الاخوان في مصر والتقارب المصري الروسي و وجود رئيسي امريكي ضعيف ومتردد في سدة الحكم ومعرفة ذلك من قبل روسيا وايران وسوريا ادى ذلك الى استمرار الصراع في سوريا ويمكن القول ان الازمة في سوريا تشكل اكبر تحدي يواجه المجتمع الدولي منذ عقود.لقد استغلت روسيا بوادر الضعف الامريكي الغربي في الملف السوري لفرض ارادتها وعودتها الى المنظومة العالمية كقطب اخر يفرض شرعيته من خلال القوة العسكرية لمعرفتها بعدم استعداد الغرب للدخول في منازلة عسكرية معها ومع وجود رئيس روسي كان رئيسا للمخابرات الروسية وعلى اطلاع على كثير من الاسرار التي تدور في كواليس مسارح السياسات الدولية. حاولت الدول الغربية تأجيج المعارضة الاوكرانية لابعاد اوكرانيا عن روسيا كرد فعل على الدور الروسي في سوريا والملف النووي الايراني وقد انتهزت روسيا وبكل قوة وسرعة هذه الازمة لاحتلال شبه جزيرة القرم( وهي من ممتلكاتها السابقة قبل ضمها الى اوكرانيا خلال حكم خروتشيف) ووضعت الغرب وامريكا في حالة صدمة وكانت جميع التصرفات الروسية تدل على استعدادها للذهاب الى ابعد حدود المواجهة ومهما كلف الامر ومع معرفتها بان الغرب بحاجة الى وقت طويل لاعادة دراسة وتقييم الاوضاع في المنطقة تكون خلالها قد جعلت المسألة امرا واقعا ومفروضا على الغرب , اما تهديد الدول الغربية بفرض عقوبات اقتصادية ومقاطعة على روسيا فلن يكون مؤثرا فليست روسيا العراق وليست امريكا هي امريكا عام 1990. ويبدو ان محاولة الغرب تغيير النظام الشرق اوسطي وتغيير الانظمة الموالية له بانظمة جديدة سيواجه بشرق اوسط جديد ولكن بتوازن جديد لن يسمح للغرب باللعب وحده مع دخول روسيا كقطب ثاني يفرض ارادته وقد يحث اقدام روسيا وشجاعتها في المواجهة دولا اخرى معروفة بقدراتها السكانية والاقتصادية كالصين والهند والبرازيل للدخول كقوى عظمى واعادة تشكيل النظام العالمي الجديد مع ان هذه الدول كانت تنتظر اللحظة المناسبة وتحاول عدم الدخول في مواجهة مع الغرب قبل الاستعداد جيدا ولكن يبدو ان اللحظة الحاسمة قد جاءت والفرصة قد قدمت لها على طبق من ذهب من قبل روسيا.