الاختيار لم يكن نفسه بالنسبة إلى جميع الكتاب اليهود المغاربة أو العرب. ثمة كثيرون اختاروا الجبهة الأخرى؛ جبهة محو بلد اسمه فلسطين.
بحلول نهاية شهر مارس، تكون قد مرت مئةُ سنة على ولادة الكاتب المغربي الراحل إدمون عمران المليح. المغرب الثقافي لم يُفوت الفرصة، حيث حضرَتْ روحُ المليح في أكثر من تظاهرة، سواء في معرض الدار البيضاء أو معرض باريس للكتاب الذي استقبل المغرب كضيف شرف.
والحقيقة أن إدمون عمران المليح، الذي بدأ الكتابة في سن متأخرة، بعد اعتزاله العمل السياسي في إطار الحزب الشيوعي المغربي، استطاعَ أن يَشغل مكانة استثنائية في مجال الكتابة بالمغرب. المَليح يَعتبر نفسَه مغربيا يهوديا وليس يهوديا مغربيا. ولعل اختياره لهذه الهوية هو ما سيُشكل الأفقَ الذي سيحتضن كل كتاباته الروائية ومواقفَه، خصوصا المتعلقة بانتصاره لفلسطين، وعلاقاتِه مع قرائه ومع أصدقائه من الكتاب، ومنهم الكاتب جون جونيه، الذي عُرف بنصه الشهير “الأسير العاشق”، الذي يُدون فيه لمأساة صبرا وشاتيلا.
كما حدَّد التمثلُ نفسه علاقتَه باللغة. فإذا كان إدمون قد اختار الكتابة باللغة الفرنسية، فإنه فتح باب نصوصه، ومنها بشكل خاص “عودة أبوالحاكي”، أمام سيل من كلمات العامية المغربية، مع انشغاله في لحظة ما بالبحث عن العلاقة بين العامية واللغة العربية الفصحى.
مَثل إدمون عمران المليح صوتا لمغرب ينتصر لهويته التي تتسع لكل مكوناتها، سواء العربية منها أو الأمازيغية أو الحسانية أو العبرية، مع الحرص في نفس الوقت على التعبير عن هذه الهوية من داخلها. لم يكن إدمون وحدَه في هذه الجبهة الثقافية، آخرون كانوا في صفه، منهم شمعون ليفي، وحاييم الزعفراني، وإبراهام السرفاتي، وسيون أسيدون، وغيرهم من الذين فضلوا، كل من زاويته الأدبية أو العلمية أو السياسية، الانتصارَ لهذا الاختيار.
ولعله نفس الأمر الذي سيَطبع أيضا، وإن كان بشكل خافت أحيانا، أغلبَ الأعمال الأدبية الموقَّعة من طرف الكُتاب اليهود المغاربة، سواء الصادرة داخل المغرب أو خارجه، حيث تحتفل هذه الأعمال بفضاءات المغرب وأمكنته ومعجمِه اللغوي العامي وذكريات حياة اليهود المغاربة التي اختلطت بحياة جيرانهم المسلمين.
ولذلك كان عاديا أن يُكرس كاتبٌ كبير كَعَمي بوغَنيم مجملَ رواياته لفضاءات مدينة الصويرة، حيث وُلد وعاش طفولته قبل أن يهاجر إلى إسرائيل. بوغنيم سيعود في روايته “صرخة الشجرة” إلى تدوين خيبة أمل اليهود المغاربة بعد هجرتهم إلى هناك. كان ذلك أيضا، بشكل أساس، حال الكثير من الكتاب اليهود المنحدرين من العراق، ومن بينهم سمير نقاش، الذي يُصر على الكتابة باللغة العربية، وسامي ميخائيل، الذي عُرف بروايته “حمائم في الطرف الأغر”، التي اختار لها أن تكون امتدادا لرواية “عائد إلى حيفا لغسان كنفاني”.
غير أن هذا الاختيار لم يكن نفسه بالنسبة إلى جميع الكتاب اليهود المغاربة أو العرب. ثمة كثيرون اختاروا الجبهة الأخرى؛ جبهة محو بلد اسمه فلسطين.
نقلا عن العرب