19 ديسمبر، 2024 12:08 ص

عن وظيفة رئيس وزراء العراق

عن وظيفة رئيس وزراء العراق

باستعراض الوقائع الحاصلة في الحالة العراقية الراهنة الملتهبة المتعثرة المبعثرة يمكن اكتشاف أن شلة الحكم وجبهة المعارضة التشرينية، معا، لم يُشخصا، رغم كل الدم الذي سال، حقيقة الموقف بواقعية، ولا يبدو أنهما سوف يتصرفان بما تسمح به العوامل الثابتة التي لا يمكن تغييرها الآن، كما لا يمكن إغفالها.

وأول الثوابت في واقع الحال العراقي، منذ الغزو الأمريكي ثم الاحتلال الإيراني، هو أن إيران وأمريكا تتقاسمان الحل والربط في العراق، إما مباشرة أو بالواسطة، ولا النظام الأمريكي ولا النظام الإيراني يستطيع تحمل كلفة خسارة العراق كموقع ومصدر رزق، وذلك بحكم ضرورات سياسية وعسكرية وأمنية لا يمكن التسامح فيها أو التنازل عنها، أيا كان الثمن، وأيا كانت الظروف.

فخروج النظام الإيراني من العراق، بعد سقوط أحزابه ومليشياته، خصوصا في هذه المرحلة الصعبة التي وضعته فيها عقوبات ترمب، يعني خروجه لاحقا من سوريا، ثم من لبنان، ثم من اليمن، وأخيرا من إيران ذاتها.

والشيء نفسه لأمريكا، وخاصة في المدة القصيرة التي تسبق الانتخابات الجديدة،واحتياج الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى التهدئة في الداخل والخارج، مِعا، بعد خروجه غير الكامل من دائرة الخطر التي أحاطه، وما زال يحيطه بها، خصومه الديمقراطيون.

والآن ندخل إلى ملف رئاسة الوزراء العراقية ونتحدث بصراحة ووضوح. فمن بعد وزارة أياد علاوي المؤقتة، وحتى نهاية عادل عبد المهدي، لم يملك أي رئيس وزراء عراقي من أمره إلا القليل، ولم يجرؤ على فعل أكثر مما هو مسموح له أن يفعل من قبل السفارتين الحاكمتين، خلافا لما هو مرأيٌ وظاهر وموهوم.

وحين يفشل رئيس الوزراء العراقي في ترضية إحدى السفارتين يصبح ترحيله أمرا لازما وحاسما. وهذا ما جرى لابراهيم الجعفري، ثم لنوري المالكي، ثم لحيدر العبادي، وأخيرا لعادل عبد المهدي.

وهو نفسه الحاصل في إقليم كردستان، وإن بدا غير ذلك. فالشعب الكردي مرصوص بين مطرقة الاتحاد الوطني (الإيراني) والديمقراطي (الأمريكي)، ولا فكاك من هذه الخنقة رغم كل ما يقال عن انتخابات ومحاصصات ليست سوى مسرحيات مطلوبة للتمويه.

ومن هذه النقطة بالذات يصبح أيٌ من طرفي الصراع المحتدم، حتى من قبل انتفاضة تشرين، وهما جبهة المتظاهرين وشلة السلطة، قاصرا عن إدراك حدود الحركة الممكنة،ومقدار القدرة على الفعل وصياغة تحركاته وأحلامه بما يمكن تنفيذه، وتقديم التنازل المطلوب من أجل ترك السفينة تجري لمُستقَرٍ لها، في انتظار ما ياتي به الغد المجهول.

وهنا ينبغي على الحراك الشعبي أن يدرك أن شلة السلطة، حتى لو توفرت لدى بعض قواها الفاعلة النيةُ الحسنة والرغبة في الاستجابة لبعض مطالب المتظاهرين، فهي غير حرة في ذلك، ومحكومة بعدم الفعل الحقيقي المستقل.

والحراك الشعبي من جانبه، بتمسكه بمطالبه التعجيزية، لم يدرك بعدُ أن نسف العملية السياسية الحالية، برغم كل مآزقها وفشلها وخرابها وفسادها، أمرُ غير متاح، وغير مقبول، لا من النظام الإيراني ولا من المجتمع الدولي، أيضا، والذي يقوده أمريكا، بكل تأكيد. وقد بلغه بكل تأكيد إعلان الحكومة الأمريكية عن نيتها التعاون مع محمد علاوي، وكذلك أحزاب الإقليم وسنة الإمام الخميني.

فالحكومة ورئاسة الجمهورية والبرلمان وما بينها، في عراق ما بعد تشرين، هياكل عظمية واهية لا تحل ولا تربط. وحتى لو تم تغييرها، أو الاطاحة بها، كاملةً، فلن يتحقق ما تريده الجماهير من سحبٍ لسلاح المليشيات، وتعديل للدستور، وتغيير للقوانين الفاشلة،وإجراءٍ لانتخابات مبكرة خالية من التزوير، ومحاسبةٍ للفاسدين، وإطلاقٍ للدورة الاقتصادية المعافاة والقادرة على تحقيق الحد الأدنى من إصلاح البنية التحتية وتشغيل العاطلين   وتوفير الخدمات الضرورية وتحقيق الأمن والأمان للمواطنين.  

هل تذكرون البهرجة التي كان يُزف بها كلُّ رئيس وزراء جديد، منذ العام 2005 وحتى اليوم، وكيف كان يُلبسه اللاعبون الكبار والصغار، من وراء الستار، ثياب البطل المغوار الآتي لقلب الأسود أبيض، والأحمر أخضر، والمخول بتحويل العراق، بين ليلة وضحاها، إلى واحةِ أمنٍ ورخاء، وبلا حدود؟  

وتعلمون كيف كان عاقبةُ كل واحد منهم، مع بقاء السيء أسوأ والفاسد أكثر فسادا،والفقر أشد وطأة وضراوة.

هذا الكلام بمناسبة ترشيح (المتظاهر) علاء الركابي لرئاسة الوزراء، بالضد من ترشيح محمد توفيق علاوي، مع العلم بأنهما، كليهما، لن يُخرج الزير من البير، ولن يأتي بما لم تستطعه الأوائل.

فالحمّام سيقى نفس الحمّام، والطاس نفس الطاس، حتى لو تحقق المستحيل وتولى رئاسة الوزارة محمد توفيق علاوي أو علاء الركابي، أو حتى طرزان.

بصيغة أخرى. إن شلة السلطة غبية. فهي بترشيحها علاوي تعلب لعبة مكشوفة خائبة محكوما عليها بالفشل، لأنها لن ترضي المتظاهرين بأي حال من الأحوال.

والحراك الشعبي، بترشيحه أحد أبنائه يقع في المحذور ويفرغ ثورته من مضمونها العقلاني، ويُذهب تضحاياته الجسيمة هباءً، ويجنح إلى غوغائية من نوع جديد.

أما الحل فليس سوى واحد من ثلاثة، إما أن يموت الوالي، أو يموت جحا، أو يموت الحمار.

ولكن الأقرب إلى الواقع الملموس، والمعقول، والأكثر قابليةً للتحقق في المدى القادم المنظور، هو أن يتوب الحاكم في طهران وينزع ثياب الشيطان ويرتدي ثياب الرحمن، أو يموت ويَلفه بعباءته وعمامته الشعب الإيراني المنكوب ويواريه التراب.

عندها سيعود العراق إلى أهله سالما غانما كما كان، ولكن ولايةً أمريكية أخرى بثيابٍوطنية زاهية، شيعية كردية سنية، لن تستر العورة، والعياذ بالله.