23 ديسمبر، 2024 9:12 ص

عن مقتل عزة الدوري والبعث

عن مقتل عزة الدوري والبعث

إستقبلنا أمس خبر مقتل عزة الدوري القيادي البارز في حزب البعث العراقي مع تشكيك وتأكيد لصحة الخبر ما أدى إلى الأعلان عن إجراء فحوصات DNA للتأكد من شخصية المقتول وفق مسؤولين عراقيين، كما أصدر المتحدث بأسم حزب البعث المنحل بيان نفى فيه مقتل الدوري.

ما أهمية خبر مقتل عزة الدوري؟

من يدرك الشأن العراقي يعرف تماماً أن عزة الدوري كان بمثابة الرجل الثاني في أركان نظام صدام حسين، وبالتالي هنالك رغبة مجتمعية على الأقل وسط الشيعة العرب والأكراد؛ قائمة منذ سقوط هذا النظام إلى يومنا هذا، بالقصاص من عزة الدوري لأهمية مكانته القيادية في حزب البعث المتورط في جرائم إتجاه الطرفين أكثر من غيرهم بالنظر إلى أن هذا الحزب قد تورط مع جميع مكونات الشعب العراقي. بأعلان مقتل عزة الدوري يكون العراق قد إغلق موضوع منتهي اساساً منذ 2003 وليس الدوري إلا أحد متعلقاته. هذا الخبر مفرح للكثيرين، والكثير ايضاً ليس لديه موقف من الأمر وإستقبل الخبر كما يستقبل أي خبر أخر يومياً، لكن الأكيد أن لا أحد حزين أو مهتم بمعنى الكلمة للدوري.

ما تأثير مقتل الدوري على الحزب؟

حزب البعث العراقي قد مات فعلياً يوم سقوط نظام صدام حسين وبالتالي لايوجد كيان قائم منذ ذلك التاريخ لليوم يسمى بحزب البعث العربي الأشتراكي، مايوجد هو حزب البعث الأفتراضي الذي لايشكل أي أهمية في الواقع العراقي ولايمتلك القدرة على التأثير في الوضع العام. بعد سقوط نظام صدام والمطاردات المحلية والدولية اتجاههم، فقد الحزب أهم عناصر المحافظة على الكيان متمثلاً في القيادة والسيطرة. لم يكن لأعدام صدام أن ينهي هذا الحزب لولا ان الحزب اساساً كان منتهي نتيجة تشرد قياداته بين معتقل ومهاجر ومختبىء، مع صعوبة التواصل فيما بينهم كما اوردنا حول القيادة والسيطرة. ذلك ادى إلى خروج أجنحة عدة للحزب (افتراضية) من الخارج بجهد ذاتي واحياناً بدفع من أنظمة كما النظام السوري الذي دعم جناح يونس الأحمد بشكل أو أخر، تسمع منها بيان بين حين وأخر، لاتعلم مايفعلون ولاهدفهم ولامكانهم ولاحتى من هم اعضاء هذه الأجنحة، الأمر بمثابة تجمعات فردية. الجناح الوحيد الذي كان قريب من الواقع هو جناح عزة الدوري لسبب وحيد، انشاء أو تبني قوة عسكرية على الأرض العراقية متمثلة بجيش الطريقة النقشبندية، وهذا كان لدواعي ان عزة الدوري قريب لهذه الجماعات الدينية من قبل سقوط النظام كما يعرف كل عراقي فالدوري كان يلاصق مايعرف بالطرق الصوفية ومنظم وداعم لها. وبناء على ماسبق فأن مقتل عزة الدوري لايقدم ولايؤخر في كيان حزب البعث الغير موجود اساساً.

مقتل عزة الدوري سيكون مؤثر على جناحه بشكل واضح وكبير وقد بمقتل الدوري ينتهي هذا الجناح للأبد كما إنتهى كيان الحزب بالنظر إلى عدم وجود قيادة واضحة تخلفه، وأن جناحه ليس بالكبير والمنظم الذي يمكنه استخراج قيادة جديدة تمتلك كاريزما او شخصية تجلب دعم ومؤيدين. من غير الواضح اذا كان سيؤثر مقتل الدوري على جيش النقشبندية ذلك لأن هذا الجيش الصوفي اساساً قد تفاوتت الروايات حول قيادته ونشأته وبالتالي هناك معلومتين احداهن تقول بأن الدوري يقوده وأخرى تقول بأن الدوري متبني له مايعني ان هذا الجيش لايعمل تحت أمرة الدوري وحده ولابفكر البعث فقط وهذا يقودنا لنتيجة مفادها عدم تأثر النقشبندية عملياً وذلك على افتراض صحة الرواية وأن الدوري صديق للنقشبندية او احد قياداتها لا قائدها وزعيمها.

العلاقة بين البعث وداعش.!

من أبرز العناوين التي نطالعها هو هذا ويبنى عليه الكثير من التحليل والرأي على المستوى الرسمي وعلى مستوى العامة والأعلام. حقيقة الأمر أن كيان البعث غير موجود كما أسلفنا، وبالتالي لاعلاقة بين كيان الحزب وتنظيم داعش لأن كيان الحزب ليس موجود اصلاً. مايوجد هو بعثيين بلا كيان أو لنقل بلا بعث، وهؤلاء شأنهم شأن كل الناس؛ منهم من تحول لداعش ومنهم من عاش مع الحزب افتراضياً ومنهم حتى من انظم للدولة العراقية الحالية والحكومة العراقية، بل حتى أن بعضهم إنتموا لأحزاب عرفت بشدة نزاعها مع البعث أيام حكم البعث للعراق. مايعني ان البعثيون في صفوف داعش وجدوا غايتهم في الأنتقام من خلال هذا التنظيم لاتنسيق بين كيان حزبي وهذا التنظيم. تبقى العلاقة بين جناح الدوري وداعش هي محل التحليل وهذه يمكن تفسيرها بأخر خطاب لعزة الدوري الذي أعلن فيه بصراحة موقفه من تنظيم داعش ما يؤكد عدم الصلة بينهما. عند سقوط مدينة الموصل تحمس جناح الدوري وغازل تنظيم داعش اعتقاداً منه انه يمكن التحالف مع التنظيم وصولاً لهدف يجتمعون عليه، لكن ذلك فشل عندما اجبرت داعش عناصر النقشبندية على التخلي عن السلاح ومبايعتها احياناً وهذا تاريخ قريب شهدناها ونقل لنا اعلامياً في حينه ونذكر ماحصل من اشتباك مسلح بين التنظيم وعناصر النقشبندية بسبب المبايعة. لاحقاً جلس النقشبندية على الحياد وتركوا الأمر بعد فرض داعش لسطوتها على جميع الفصائل الأخرى. ما قبل سقوط الموصل كان هناك تنسيق بشكل أو أخر كما تفعل الأن فصائل الجيش السوري الحر مع جبهة النصرة وغيرها لكن الحكاية مع داعش كما في تجارب سوريا، أن التنظيم لايتقبل أحد ويريد المبايعة من الجميع وهذا مالم يجتمع عليه البعثيون جناح الدوري وتنظيم داعش، كما إن النقشبندية اتباع طريقة صوفية مايجعلهم محل نزاع حقيقي مع تنظيم داعش الذي يكفرهم واقعياً لأيمانهم بالأولياء والأضرحة وكل ذلك.

التركيز على خلفية الأشخاص لايؤدي بالضرورة لنتيجة حقيقية، كما مع تنظيم داعش الذي يحوي عدد كبير كما يشاع من بعثيين وضباط سابقين في الجيش العراقي. إنضمام هؤلاء للتنظيم لايعني المقاتلة بعنوان وهدف البعث او الجيش السابق بل وجدوا غايتهم في الأنتقام من خلال التنظيم وإتبعوا فكره متخلين بذلك عن افكارهم السابقة، وإلا فالبعث لايلبي طموح هؤلاء لأفكاره القومية وغيرها. كما إن البعثيون العراقيون لم يعد يمكن تجميعهم بالنظر للمشاكل الطائفية القائمة التي ساعدت في تفرقهم مما دعى للتخلي عن فكرة البعث والبحث عن أفكار تمثل الطائفة أكثر.