الأملُ احياناً سرابٌ يُضبّبُ الأفق
. وأحياناً مصطلحٌ أمحلُ .
وحيناً كلمة ٌ تتماهى وتخدعُ .
وفي كلّ الأحوال لن يتحقق الّا بالعمل . ولكلّ امريء آمالُه القريبة والبعيدة . بعضُها يتوارى خلف امنيات فجّة ، وبعضُ بعضها يتمارى حولَ الامنيات . وقليلً منها يتشظى ويتمرأى فنسعى الوصول اليه .
لكنّ الأملَ لدى أدونيس ليس ذلك الشطط الضبابي الذي نراه ولا نقبض عليه .
هو شيءٌ تضطلعُ به قوى ما ورائية استعلائية امبريالية ، أو وطنية خارجَ افقها المألوف .
أيُّ أمل قريب او بعيد حظيَ به المواطنُ العربي ؟ آمالُنا طيّ طواحين السياسة تُحرّكها قُوى باطشة ، خارجية ، تسعى بكلّ ماكنتها العسكرية والمادية الى ازهاق الأمل وطيّ صفحته من الوجود . والداخلية / الأنظمة العربية / تعملُ وفق مشيئة أسيادها . لذلك يُمكنُ القولُ : العربي بلا أمل .. وما يستطيعُ الوصولُ اليه اضغاث ُ قشّ تبعثرها رياح الغفلة او المصادفة . وما لدى الأنظمة العربية من مشاكل هي سلالُ آمال مواطنيها مكبوتة ومقموعة تفلتُ شظايا أبعاضها من سيطرتها أحياناً بوسع قلة من القبض على شتات منها .
ودون تحقيق الآمال تضحياتٌ خللَ مجازر ومقابر . ولا أذكرُ اني حققتُ أملاً ممّا تبرعم فيّ سوى ما كان أدنى من المطمح متهافتاً، هو جزءٌ من دورة الحياة . الأملُ الكبيرُ المُتلأليء المُشعُّ هو دوماً في مجرّات نائية ، فثمة عواملُ داخلية وخارجية تصدّني عنها وتقطع طريقي اليها . والأمل طبقاً لمعناه الشخصي يختلف عن معناه الايدولوجي . قبلاً كانت لدينا آمالٌ توخينا تحقيقها عبر المتغييرات السياسية التي عصفت بعالمنا العربي ، سقط فيها حكام ٌ وحكومات ، وجيء باخرى اشدُّ بطشاً وجهلاً من السابقين . وكان هؤلاء مُحضرّين مُخبئين في دهاليز المخابرات الغربية لم يخطروا ببال أحد في حسابات السياسة والسياسيين .لكنّهم تدفقوا بعد أن اختمرت الثورات عنوة ً أو على حين غرّة الى اتونها . فمَنْ هو مرسي وسط تلك الأسماء الساعية الى ترشيح نفسها / الثورة المصرية مثالاً / وكذا الحالُ في تونس وليبيا . والأملُ الذي كان يدور في خلد المواطن السوري هو رحيلُ النظام وحلول آخر يُحققُ الأملَ / العدل والمساواة يضعان سوريا وسط الحلم الجماهيري / بيدَ أنّ قوى عربية عميلة وبدفع غربي هي التي كرّست شراذم سلفية مضادة للتقدم والفكر والعلم الى الساحة مُمولة بالمال والعتاد .وبات السلاحُ العربي يُزهق ارواح ابرياء ويستبيح الدم السوري . وازحمت الفضائيات العربية بصور تُزهق فيها دماء بريئة .بل تُقطعُ الرؤوس وتُعرض امام كاميرات التلفزة ولم تزل عيونها ترمشُ وتعاين . وصار الدمُ العربي ارخص من بقلة . ولو صرفت تلك المليارات على فقراء العالم الاسلامي لتحقق أمل كلّ مواطن . وصار لكل احد وظيفة ٌ وسكن وكرامة . ملياراتٌ تصرفُ على تأجيج العدوان والقتل وشراء السلاح الغربي ، فلولا ذلك لما كنا نسمع ونرى هذا الكم من المفخخات والتفجيرات وسقوط الالاف من الأبرياء . كلُّ ذلك عمليات مُتقنة ومقنّنة لوأد الأمل العربي . ولو قتل في ممالك الغرب ابعاضٌ مما يُققل في بلادنا لقامت القيامة ُ وتغيّرت حكوماتٌ ، ونشبت ازمات متتالية . الدمُ العربي مُتهافتٌ مبتذلٌ وقيمته دون الصفر . لذلك سنبقى بلا أمل ولا ننتظر تحقيقه . نحنُ يحكمنا اسيادٌ / قوى استعمارية تتمترسُ بالمكر والدهاء والشرّ . نحنُ لا احدَ ، لا شيء .
لذلك ارى مقالة أدونيس تنطوي على سخرية مُبطنة وهُزء حين يضعنا عند تكريس الأمل وتحقيقه على مستوى واحد مع غيرنا . في الغرب الأملُ تصنعه الدولة ُ بكلّ اجنحتها ، تُحققه الأحزابُ الوطنية التي تخلتفُ فيما بينها الّا ما يتعلقُ بمصلحة الوطن والمواطن . لذ يحظى الغربي بحرية لا اولَ لها ولا آخر . على الرغم من وجود الدينصورات المالية والمافيوية التي تجمع الثروات لكنها لا تسرق مواطنيها وشعوبها . بل تسرقنا وتُجوّعنا وتضعُ مصائرنا على شفا الهاوية .نحن نقتتلُ ويُصفّي احدُنا الآخر ونهدرُ الملايين . أدونيس يكذبُ كذبة ً بيضاء مُموهة ، يضربُ عصافير بحجر ، ماكر المعي ، يعرفُ كيف يسخرُ من وضعنا العربي ، ومن حكامنا وانظمتنا العربية . ويعلم بيقين ان القتل جبلة فينا مبعثها الجهلُ . العربي جاهلٌ ما عدا استثناءات معدودة . وتلك مُهَجّرةٌ أو مُهاجرة ، تعمل في مدائن الغرب ، ومابقي في بلداننا منهم يُقتلون ويختفون ويُعزلون باسم الطائفية والحزبية والعشائرية .فالقوى التي تُسيّرنا لا تسمحُ للآمال / فردية أوجماعية / أن تينع وتزهو . اذن ، لمَ هذا الاندفاع الشرس للقتل من اقاصي المغرب حتى المشرق . وقمع آدمية وحرية المواطن ؟ لمَ لا يحدثُ في ممالك الغرب مثل ما يحدثُ عندنا ؟ لماذا لا تقومُ دولة كبرى اوروبية باجتياح دولة صغرى كالنمسا وسويسرا على سبيل المثال . أدونيس لاعبٌ ماهرٌ يصنعُ في زمن الكتابة كلّ شيء . اقرءوا كتاباته ، يتوارى وراء الجملة والكلمة ، يُحركهما ويصوغهما وفق مشيئته . يستهزيء بعقلنا ، من حقّه أن يفعل ذلك . نحن نستحقُ اكثر من هذا . نحن بدائيون من انسال المغول وقطاع الطرق . فلو كان لنا عقلٌ كان لنا افقٌ ومنهج . تعالوا نفتحْ صفحات حكام تونس وليبيا ومصر فأين برامجُهم التنموية والمستقبلية والآقتصادية ؟ انهم ما زالوا يعيشون بين رماد السلف ، بين عناوين لا تصلحُ لزماننا . انهم يتمرّغون في زمن الحجر والرمل والخيمة والذكريات المرّة . فأين العقلُ الذي يصنعُ الغد ويُخططُ له ؟ فالغرب صنع هؤلاء ويعرف اين يضعُهم . فقد جاء بهم من قيعان منسية عاتمة لاعادتنا الى ما وراء الماضي . هم في كلّ دقيقة يتقدّمون ، يقطعُون اشواطاً ،علماً وانجازاً ورفاهية لشعوبهم ، ونحن / بدفع منهم / نقتتلُ ويُصفّي بعضنَا البعضُ . فحتام هذا الشلال الدموي ؟
اضحك علينا يا ادونيس فنحن اناسٌ بلا امل . ولن نحظى بشيء منه …. فمن حقك ان تحمل فأسَك وتهشّمَ رؤوسنا ، ولك ان تُمسك بالرفش وتحفر لنا قبورنا ..
تحية ً لك حين تضحكُ وحين تتورمُ عيناك بالبكاء علينا …