من المؤكد أن ما من إنسان كامل على وجه المعمورة، إذ الكمال لله وحده، ومادام الأمر هكذا يكون حريا على من يتقلد منصبا عاليا في سلسلة مناصب الدول، أن يحصن نفسه من الزلة والهفوة في اتخاذ القرارات، فكما يقول المثل: “غلطة الشاطر بألف”. ذلك أن ملايين الناس ستتأثر بما يقرره، سلبا أو إيجابا.
وقد تنبهت لهذا البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء، فأسست مجلسا للسياسات العليا ليقوّم المعوج مما يصدره رؤوس الحكم في البلاد. فمجلس السياسات العليا، له الأولويات بين باقي مجالسها، في المشورة والرقابة ودراسة مشاريع القوانين والقرارات المقدمة من قبل المجلسين التنفيذي والرئاسي، وله حق التعديل فيها. فضلا عن تحديده أولويات البرنامج السياسي للحكومات، ووضع رؤية سياسية للتعديلات الدستورية. ومن المؤكد ان العراقيين باتوا في حاجة ماسة الى مجلس مثل هذا، إذ ان الفرد الواحد من رؤساء الرئاسات مهما بلغ حرصه على بلده، وتفانيه في أداء مامنوط به من واجبات، فإنه لن يتمكن من احتوائها كلها، وعلى وجه الخصوص في عراقنا الذي يتربص به الأصدقاء قبل الأعداء، والشواهد على هذا كثيرة، كما يقول ابن الرومي:
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشَّفت
له عن عدو في ثياب صديقِ
وقد بات العراقيون منذ عام تقريبا، تحت مظلة حكومة السيد عبد المهدي، وفي بداية تشكيلها كانوا ينتظرون انتقاء أعضائها بفارغ الصبر وعلى أحر من الجمر، ولطالما نادوا رئيسها، أن يكون اختياره أعضاء المجلس التنفيذي وفق وحدات قياس صارمة وضوابط حازمة، من دون الركون الى الفئوية والحزبية والمحسوبية، التي كانت السبب في تدني مستوى أداء الوزارات في الحكومات السابقة. وعادت بسلبيات ضيقت الخناق على أهل البيت العراقي بشرائحهم كافة، وياليت رئيس الحكومة يكمل قراءة البيت الثاني لابن الرومي إذ يقول:
عليك بدارٍ لا يزول ظلالُها
ولايتأذى أهلُها بمضيق
وقطعا هذا لن يتأتى يارئيس حكومتنا من الفراغ، او من الجلوس خلف عرش السلطة دون النزول الى أرض واقع العراقيين، حيث العامل والعاطل عن العمل.. والطالب والمعلم.. والمرأة وكبير السن.. والموظف والمتقاعد.. والطفل والمريض.. وباقي شرائح المجتمع، فهم جميعا باتوا أمانة بعنقك وأعناق كل من يتسنم منصبا قياديا في البلد.
نعم يارئيس وزرائنا، أنت بحاجة إلى المجلس الوطني للسياسات العليا، ليقوم بتعديل ما قد تشط في إقراره، ويجانبك الصواب في اتخاذه، فالكرة بساحتك وعليك التهديف والتصويب بدقة وذكاء، والمواطن ينتظر منك بذل الطاقة القصوى، والعمل الدؤوب وانتهاج سبل حدية وصارمة مع من يتهاون في أداء واجبه بالشكل السليم، للحد من تداعي كثير من السلوكيات التي ظهرت عبر تراكم السنين الماضية من عمر العراقيين، بين حصار وحروب واحتلال، ولتتوج بهمّتك نيتك السليمة في خدمة البلد وتقديم ماهو أفضل له، فبالآمال والأمنيات والنيات الصافية وحدها لاتُبنى لِبنة واحدة من صرح البلد، وقد قالها صاحبنا ابن الرومي في قصيدته ذاتها:
فما يبلغ الراضي رضاهُ ببُلغة
ولاينقع الصادي صداه بريق