من يقرأ قصائد “1999” للشاعر المصري شعبان يوسف سيظن للوهلة الأولى أنها أناشيد غنائية تبوح لنا بما تحمله قلوب المحبين والعشاق ليس حبا بين شخصين فقط بل حبا للوطن والحياة والأمل والجمال بكل معانيه.
ما دفعنا لقراءة هذا الديوان هو حب في استكشاف الخبايا الشعرية لنصوص المبدع شعبان يوسف، ذلك الذي نشهده كثيرا كناقد أيضا ورغم ذلك لا يمكن أن نقول عنه أنه سوى شاعر متمرد يرفض أن يرتدي دائما جلباب النقد.
في ديوان جمع بين دفتيه 19 نصا شعريا نجد أنفسنا نقف أمام شعبان الإنسان قبل شعبان المبدع الفنان، لنرى عبر مرآته الفنية تأمله في سر الوجود ألا وهو الحب والعشق بمختلف معانيه. كما نجده ينشد أيضا رتابة الأيام، الوحدة والهموم ويحاول الهروب من ظلالها كعاشق يريد استنشاق عطر حبيبته.
شعبان يوسف الشاعر يلعب لعبة زمنية في كل قصيدة اختار لها بدوره الأرقام كقاعدة أساسية وهذا ما نقرأه في كثير من عناوينها، ونذكر هنا على سبيل المثال ”
ثمانية إلا ربع، اثنان من خمسة، هامش على متن خمسة من ستة، ثلاثة عشر من خمسة، اثنان وعشرون من خمسة، واحد من سبعة”.
هذا يدفعنا لنقول أن هناك تناغما موسيقيا في كل رقم يحمل عنوانا مباشرا لكل قصيدة، وكان أيضا للشهور حظا هي الأخرى من نصوصه الشعرية كما جاء في عناوينها “دعاء يناير، شغب مارس، قلق أبريل” وكلها تحمل دلالات إيقاعية متنوعة.
يستهل الشاعر ديوانه بقصيدة تحمل نفس عنوان غلافه “1999” لنجد أنفسنا أمام بوابة زمنية تبوح لنا بانزياح الغمة، فينسكب الفرج أمام صاحبها:
في هذا العام
انفتحت له كوة
وظهرت أمامه جزر سحرية
في قصيدة “ثمانية إلا ربع” يعود الشاعر إلى ذاته ليعايش حالة من الحنين ونسيان التعب أيضا:
استغثت بربي
وناديت آياته البينات
ورحت لرحمته الواسعة…
في نصه الشعري الموسوم “ستة من خمسة” يستبيح العاشق لحظة العري ليخلص روحه من هموم ثقيلة:
سيفضي لها بحديث طويل
ويفرج عن سره
ثم يشعل في الجو بعض جروح قديمة
وفي نص “واحد من سبعة” تتحدث أنوثة الحبيبة عن جمالها الأخاذ الذي دفعها لمصر الساحرة لتنشد حبا لم تجده في بلدان زارتها سابقا:
ثم تهت
وجئت –أخيرا- إلى مصر
باحثة عن صديق وبعض أمان فقط
أتقلب تحت قباب مساجدها
وأسير مغيبة في روائحها
لا تخلو قصائد هذه المجموعة إجمالا من عنصر الخيال الذي جاء ليخدم الألفاظ والتراكيب ويهب الأفكار عمقا وجمالا. كما أن هذه النصوص لصاحبها تتدفق لتغوص عميقا في الذات الأنثوية عندما تجد نفسها واقفة أمام عشيقها الرجل.
يستحضر الشاعر شعبان يوسف في معظم قصائده أيضا العديد من الأسماء المعروفة في عالم الأدب، ليستشهد بأقوالها وأعمالها الشعرية المتميزة كالعالمي نجيب محفوظ، ابن حزم الأندلسي، رامبو، ولادة بنت المستكفي، رابعة العدوية، طاغور، لوركا…
يمكننا القول ختاما أن مشهد البوح والعشق والوحدة يظل مسيطرا على الكثير من الصور الشعرية في قصائد “1999” وكأننا أمام صور أخرى لنصوص شعرية للمبدع فيكتور هيجو، ومع أن الشاعر شعبان يوسف له ريشته الخاصة لرسم ملامح عشاقه وهذا ما نلمسه من تفاصيل دقيقة من حيث استخدامه للغة والصور الشعرية والإيقاع الموسيقي للقصيدة بشكل عام.
المصدر
(1) شعبان يوسف: 1999 ،الهيئة العامة المصرية للكتاب ،2006.
* كاتب وناقد جزائري