23 ديسمبر، 2024 1:47 ص

عن عودة رافع والسليمان… عهر سياسي

عن عودة رافع والسليمان… عهر سياسي

يبدو اننا مازلنا نعيش دوامة الاستغراب من قرارات القوى السياسية وتقلب امزجتها بين فترة واخرى على الرغم من مرور تسعة عشر عاما على “مسرحية العملية السياسية”، وكوميديا المشاركين فيها، التي شهدت خلال تلك السنوات العديد من الفصول الانتقالية للقيادات والزعامات وحتى أدواتهم في تحقيق مشاريعهم من النواب و”الكومبارس” في الخط الثاني الذين يتصدرون حلقات التفاوض خلال فترات تغيير النتائج في المواسم الانتخابية، الذين يجسدون حرفيًا مقولة في “السياسة لا يوجد عدو دائم ولا صديق دائم”.

السياسة فن الممكن

نتفق او قد نختلف كثيرا في تعريف السياسة فهي “فن الممكن” الذي يتيح استخدام جميع الادوات لتحقيق هدف محدد تسعى له مجموعة او كيان او حزب، بعيدا عن الثمن الذي تدفعه سواء كان التنازل عن بعض المبادئ والقيم او حتى اغضاب جمهورهم لفترة محددة تنتهي باستخدام ادوات اكثر قوة لاقناعهم باسباب تغيير المواقف، ودائما ماتكون لغاية ظاهرها استعادة الحقوق، لكن باطنها تحقيق “مصالح شخصية لكسب المناصب”، ولعل عودة خميس الخنجر سابقا وقبله احمد ابو ريشة افضل مثال، يعكس حقيقة نوايا القوى السياسية فالخنجر وابو ريشة لم يقصرا بارتكاب “الحماقات” تجاه عباد الله، والتي قسمت بين التحريض على القوات الامنية واستخدام اموالهم لتغذية الصراع الطائفي وبين استخدام “ورقة الشارع” لاحراق محافظاتهم وبالنتيجة اهلهم بين مهجر ومقتول او معتقل وهما ينعمان بالخيرات ومساحة كافية للتحرك بحرية من دون محاسبة، حتى مدينة النجف التي كان يهدد الخنجر بدخول تنظيم داعش اليها، نجح بزيارته تحت حماية قوى سياسية تدعي الاصلاح وتحارب الفساد.

السياسة لا دين لها

نعم.. فحال السياسة في بلادنا لا يختلف عن بقية الدول في انحاء المعمورة، فاغلبية المتعاطين لهذه “المهنة” لا تمنعهم الثوابت الدينية عن ممارسة هوايتهم في “الاستفادة” منها وترك الالتزام بالجانب الديني والعقائدي او الانساني على مكاتبهم، خلال عقد الصفقات حتى لو كانت على حساب “دماء الشهداء” الذين شاركوا بتحرير الارض وثبتوا اركان الدولة للحفاظ عليها من الضياع، والمثال الاقرب لذلك، نجده في رافع العيساوي الذي كان يقود فصيل “حماس العراق” وفتنته التي فتحت الباب امام سقوط المدن بيد تنظيم (داعش) من خلال الاعتصامات في محافظة الانبار والتي يذكرها الجميع جيدا وسببها بعد اعتقال عناصر من حمايته متورطين بعمليات “ارهابية”، لكنه اليوم اصبح شريكا في العملية السياسية واسقطت عنه جميع التهم، على الرغم من اصرار مجلس القضاء الاعلى على وجود قضايا اخرى، قد نسمع قريبا باغلاقها ليس حبا بالوطن ودماء الشهداء انما رأفة بالعملية السياسية.

تكلفة العهر السياسي يدفعها المساكين

لم يخطئ الفيلسوف والكاتب المصري يوسف زيدان حينما شخًّص وجود “عهر” في السياسية يدفع كلفته “المغلوبين” على امرهم من المواطنين في كل زمان ومكان، وهي صفة يشترك فيها جميع من يمثلون القرار السياسي على ارضنا بعيدا عن المسميات سواء كان هذا الطرف او ذاك، والتي اتضحت بجميع تفاصيلها بعودة، علي حاتم السليمان والعفو عنه، بعد مشاركته “العلنية” في فوضى السلاح وتسهيل مهمة التنظيمات الارهابية من خلال تهيئة الارضية المناسبة لها، بعد تأسيس مايسميه “جيش العزة والكرامة” ايام ساحات الاعتصام في محافظة الانبار، لكن حينما اصبحت ورقته السياسية رابحة بالنسبة لطرف سياسي كان يعتبره العدو الاول، تدخل لتسهيل مهمة عودته مقابل تعهدات منحها السليمان لا نعرف حقيقتها حتى الان، في حينها اكثر ما يثير الاستغراب موقف زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر الذي انتقد في تغريدته عودة العيساوي والسليمان واعلن براءته من السياسيين الذين تصالحوا مع من وصفهم بمتشددين تلطخت اياديهم بالدماء، بهدف السلطة والنفوذ، ليخبرنا بانه يوالي الإمام علي (عليه السلام) ولن يحيد عنه، متجاهلا بان، رافع العيساوي وعلي السليمان كانا يطلقان تصريحاتهما ومواقفهما “المسيئة” من اقليم كردستان وبحماية حلفائه في سلطة الإقليم، وتناسى بانه صافح خميس الخنجر واستقبله في منزله بالحنانة من اجل “مصالح سياسية”.

الخلاصة:.. ان عودة العيساوي والسليمان وقد يلتحق بهما طارق الهاشمي المحكوم بالاعدام غيابيا، هدفها ايجاد ضد نوعي يوقف رئيس البرلمان محمد الحلبوسي عند حدوده ويذكره بان زعامات القوى الشيعية و”جهابذتها” التي جاءت به في العام 2018، تمتلك البدائل بعد تمرده عليها والذهاب مع المعسكر الاخر، ورسالة تؤكد بان القوى السياسية لا تؤمن بالمواقف الثابتة، مهما كان ثمنها… اخيرا… … لا تستغربوا من تقلب المواقف فالعهر السياسي لن ينتهي.