23 ديسمبر، 2024 12:27 ص

عن “طائفية” سعدي

عن “طائفية” سعدي

لم اكتشف ان المخرج عوني كرومي مسيحي الا بعد ان ظهر على شريط الأخبار في” الجزيرة” خبر فاجع
” إقامة القداس على روح الفنان العراقي المقيم بالمانيا في كنيسة…”
ولاكثر من عقد كنّا نلتقي، في مختلف المناسبات، ونسهر الليالي، اما على شاطيء أبو نواس، أو في ضيافة العم الكبير المبدع خليل شوقي.
بل زرته مرات في مسكنه، ولم التفت الى اللوحات المعلقة في منزله، ففي بيوتنا، تحضر أيضا العذراء والابن في المغارة.
وفي السنة النهائية من دراستي الجامعية بكلية التربية بجامعة بغداد، أكتشف زملائي الذكور، انني مسلم، حين أندهش بعضهم من قيامي، بصلاة الجنازة، على روح أستاذنا المتوفى.
اما زميلاتي، من غير القريبات جدا، فقد بقين على الاعتقاد باني مسيحي، لان بدلاتي، على آخر مودة، ولم يكنَ يعلمن انها من ” راس البالة” بفضل صداقتي مع” عبد لنگة” الذي كان متاثرا بالألماني نيتشة، يسرق الوقت، وينسل من محل والده في سوق اللنگات، خلف سينما الخيام بالباب الشرقي، ويلتقي بنا في مقهى إبراهيم ” مقهى المعقدين”، يسأل عن آخر الكتب والمناشير الشيوعية ، ونسأله عن آخر بالة وصلت من المانيا!
وكنت مع “الرفيق” عبد أربيع، في خلية مع انشقاق القيادة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، نتخفى في فنادق “سيد سلطان علي”، ونستاجر غرفا في عقد النصارى والبتاوبن ، هربا من ملاحقات ناظم كزار، حتى أنتهت الحملة، وتباعدت بِنَا الطرق؛ لأكتشف بعد عقود، ان عبد إربيع يجهل ديني.
فبعد إحتلال العراق، نشرت على موقع ” صوت العراق” تحية لاهل البصرة،الذين القى بعض من شبابهم الشجعان القبض على عميلين للمخابرات البريطانية، متخفيين بملابس عربية، يزرعان قنابل، لتاجيج الحرب الطائفية في مدينة الباسقات؛؛
النخيل، وبدر شاكر السياب، وسعدي يوسف ومحمود البريكان ومحمد خضير، واحمد مطر وفاروق صالح العمر ، والاف المبدعين، ورثة الجاحظ، واخوان الصفا، وابو الأسود الدؤلي،والفراهيدي، والفرزدق، وابن الهيثم، وثلة علماء وفلاسفة، وشعراء وكتّاب عصر النهضة.
في تحيتي لمدينة الباسقات، استعدت عام خدمتي العسكرية، بعد الجامعة، جنديا في البحرية، وسهراتنا في نادي الفنون، وتجولنا في الليالي الفواحة بطلع النخيل، نعرج على بار ماري، السيدة التي ترعى حانة، بشارع العشار تذكرك بحانات اور المتخيلة.
علق رفيقي العتيد عبد أربيع على مقالي الملتاع بالبصرة التي كانت، بعنوان ملفت؛؛
سلام مسافر مرحبا بك في البصرة!
دعاني صديقي القديم لزيارة المدينة، وعبر عن الالم بان المدينة التي اتغزل، انتهت، بعد ان سيطر عليها الظلاميون والقتلة على حد وصفه.
وكتب يقول” ومصيبتك ستكون اكبر مع هؤلاء لانك صابئي”!
شكرت الصديق عبد على دعوته الكريمة، وكتبت من جملة ما كتبت، ان اكثر ما اعجبني في مقال الدعوة، ان صديقي العتيد، ينسبني الى الطائفة الذكية، المبدعة، صاغة، وعلماء وفنانين كعلماء.
الى الصابئة!
وكتبت” كم كنا أنقياء عزيزي عبد لانا نعيش دهرا مع بعض، ولا نعرف دينا او قومية او مذهبا”!
الناعقون على قبر الراحل الحاضر الى الأبد، سعدي يوسف، بحكم الصفاقة، يؤشرون على مذهب اسرة شاعر، لف بجناحيه، العالم، وتوله محبوه بضياء أشعاره. يفضح دونية خفافيش الطائفية، المختبئين في عفن نظام ما بعد الاحتلال الذي قاومه سعدي، حتى المقطع الاخير من الزمن المكتوب.