تبدو حالة العلاقات السورية المصرية مثل الفيل الذي في الغرفة، لا أحد يتحدث عنه، والجميع يدرك حجم تأثيره، وتبدو مسألة عودة العلاقات السورية المصرية رسمياً أكثر إلحاحاً في الوقت الحالي، خاصة مع تطورات المواجهة العسكرية التي تجري اليوم بين رجال المقاومة الفلسطينية و الكيان الصهيوني الغاصب.
التقى الرئيس الأسد ونظيره السيسي في الرياض وذلك على هامش أعمال القمة العربية، لبحث الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حيث تم تأكيد الموقف الثابت للدولتين من حيث رفض تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين والعمل على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفقا للمرجعيات الدولية ذات الصلة.
لم تقطع مصر علاقاتها الدبلوماسية والسياسية بدمشق طيلة سنوات الأزمة، كون أن العلاقات السورية المصرية ترتكز على أسس راسخة وقوية تعمقت أواصرها من خلال الاهتمام المشترك بين الجانبين لإعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة.
ولعبت مصر دوراً مهماً في الداخل السوري حيث ساهمت في التوصل إلي عدة اتفاقات وقف أو خفض العنف في أكثر من مكان مشتعل وملتهب في الداخل السوري، وهو الذي لا يتم إلا بتواجد مصري مع الحليف الروسي فاعل بالداخل السوري.
بالمقابل رفضت مصر احتلال المعارضة السورية لمقعد سورية في القمة العربية بالقاهرة في 2015، وبقي المقعد خاليا علي خلاف ما جري في قمم أخري عقدت في بلاد أخرى، كما أكد الرئيس السيسي في حوار مع التليفزيون البرتغالي عام 2016، دعم مصر للجيش العربي السوري وكل الجيوش الوطنية التي تواجه الإرهاب، كما أكد على وحدة سورية وكامل ترابها وضرورة الحفاظ علي كافة مؤسساتها المدنية والعسكرية.
لطالما كانت دمشق والقاهرة صمام الأمان للوضع العربي، حامين ومدافعين عن القرار العربي في المحافل الدولية، فإذا اجتمعت سورية ومصر على قرار واحد نلاحظ أنه يصبح توجه للعالم العربي. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: كيف يؤثر عودة العلاقات السورية المصرية على الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط؟
لا شك إن غياب التضامن (سورية ومصر) قد ترك بصمات واضحة على مجمل الحالة العربية التي هي بالأساس تعاني ضعفاً كبيراً، وتفككاً قل نظيره في وقت تلتحم فيه الأمم الأخرى، وتتجمع رغم ما بينها من تفاوت، وأهم الإشكاليات التي ولّدها غياب مثل هذا الثنائي (السوري المصري) ذوبان الحد الأدنى من تنسيق المواقف العربية، وتلاشي سقف الثوابت العربية في مواجهة الأخطار المحدقة، سواء من الداخل الإقليمي أو من الخارج الدولي.
اليوم سورية ومصر في مواجهة إسرائيل والى جانب رجال المقاومة الفلسطينية كقوة من حديد لضرب كل من سلب أرضاً وشاع فساداً، وعلى الكفة المقابلة، تبقى القضية الفلسطينية والحقوق الثابتة خطاً أحمر لسورية ومصر، لا يسمح بتجاوزه أو التنازل عنه، ففلسطين جزء من الذات السورية المصرية، فهم يقاومون إرهاباً هو الأشد على مر العصور,
ومن هنا إن سورية ومصر ملزمتين بالنضال من أجل فلسطين ولن يتخليا عنها حتى يحقق الشعب العربي الفلسطيني تقرير مصيره ويقيم دولته المستقلة على أرض وطنه، وهذه الثوابت لا يمكن المساومة عليها لارتباطها بالعقيدة القومية التي تؤمن بها سورية ومصر.
ومن جهة أخرى إن عودة العلاقات السورية المصرية إلى مجاريها الطبيعية بكل تأكيد يخدم مصالح هذين البلدين، وينعكس إيجابيا بالدرجة الأولى على التقليل من التوتر ويحوله إلى شيء من التنسيق والأداء المتناغم الذي يصب لصالح السلام والاستقرار في المنطقة، كون لهما وزنهما وأهميتهما في المنطقة العربية.
وإنطلاقاً من ذلك، فإن التطورات والمشهد المعروض يشير إلى أن الأيام القادمة ستشهد تبدلاً كبيراً على الساحة السورية المصرية، لأنهما الأساس في بناء النظام العربي الجديد، كما أنهما ينطلقان من رؤية واحدة وهي ضرورة مواجهة الاحتلال الاسرائيلي وتحرير الأرض المحتلة.
مجملاً….زإن دمشق والقاهرة هما رأس الحربة في مواجهة الإرهاب والمؤامرات الغربية، اللتان تنطلقان من رؤية واحدة وهي ضرورة مواجهة أي أطماع إقليمية أو دولية، وخاصة بعد نجاح كل منهما في ضرب المخطط الغربي لتقسيمهما عبر خلق الأزمات والفوضى والفتن والإقتتال بين أبناء الشعب الواحد.
وأختم مقالي بالقول: أن مصر وسورية، مدعوتان اليوم للوقوف صفاً واحداً أمام الإرهاب الإسرائيلي – الأمريكي الذي يهددهما في أكثر من مكان، ومن هذه النقطة يجب على الدول العربية العمل المشترك لدحر قوى الإرهاب وهزيمة هذا التيار المتطرف ورد هجمته عن غزة ومنطقتنا ومجتمعاتنا وأهلنا.