نظّم قانون انتخابات مجلس النواب رقم (45) لسنة 2013، موضوع الدعاية الانتخابية في عشر مواد، وهي ذات المواد الموجودة في التعديل وفق التسريبات.
ولعل تمويل الحملة يعدّ من الموضوعات المهمة التي تخص الدعاية الانتخابية ويرتكز عليها المعترك الانتخابي، لكن الغريب أن المشرع العراقي في القانون المشار اليه اعلاه لم يتناول التمويل الذي يخص الدعاية الانتخابية إلا في مادة واحدة وهي والمادة (29) منه بالنص (يحظر الإنفاق على الدعاية الانتخابية من المال العام أو من موازنة الوزارات أو أموال الوقف أو من أموال الدعم الخارجي).
ويعتقد البعض ان هذا النص، يعد نصاً عاماً يمكن الالتفاف عليه باي شكل، كونه لم يضع ضابطاً محدداً لموضوع التمويل، فقد تتم العملية مصحوبة بضبابية ازاء مصادر الانفاق على الدعاية الانتخابية.
وفي هذا الاطار، سوف استعرض تجربتين مهمتين في هذا المجال لمصر وتونس، محاولاً التركيز على بعض من احكام الحملة الانتخابية وتمويلها، كون المواد التي نظمتها كلتا الدولتين كثيرة جداً وبحاجة إلى بحث مطوّل، فيما اكتفى المشرع العراقي كما قلنا سابقاً بمادة واحدة فقط.
ففي مصر حيث احال قانون انتخابات مجلس النواب موضوع تمويل الدعايات الانتخابية إلى قانون خاص يسمى بقانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية بالرقم (45) لسنة 2014، ولعل السبب في هذا التوجه اضفاء نوع من الاستقرار والشرعية على موضوعات تخص العملية الانتخابية، ومن ضمنها الدعاية الانتخابية لكي لا تتأثر مع كل تعليمات أو منشورات تصدر بهذا الخصوص.
ويضع القانون المصري حداً لإنفاق الفرد على دعايته الانتخابية بــ (500) الف جنيه مصري، و (200) الف جنيه مصري إذا ما تمت اعادة الانتخابات، على ان يضاعف المبلغ في حال تواجد أكثر من (15) مرشحاً في قائمة واحدة.
كما عالج القانون ذاته حجم التبرعات التي يتلقاها المرشح سواء كانت نقدية ام عينية من أي شخص طبيعي مصري أو حزب مصري شرط أن لا يزيد ذلك التبرع عن (5%) من الحد المصرح به للانفاق على الدعاية الانتخابية، حيث يمنع زيادة تلك التبرعات، كما على المترشح أن يبلغ الجهة المختصة -وهي اللجنة العليا للانتخابات- بهوية الجهة المتبرعة ومقدار ما تبرعت به.
اضافة الى ذلك، فان قانون ممارسة الحقوق السياسية أوجب على المرشح أن يفتح حساباً بالعملة المحلية في احد البنوك المحددة رسمياً يودع فيه اموال حملته الانتخابية والتبرعات والقيمة النقدية للتبرعات العينية، وعلى الجهة المودع لديها أن تبلغ الجهات المختصة أولا باول بما تم ايداعه، وكذلك يجب على المرشح أن يعطي اشعاراً مستمراً بعمليات الصرف، حيث لا يجوز الانفاق على الحملة من خارج ذلك الحساب.
وأكثر من ذلك، فأن الواجب مفروض على اللجنة العليا للانتخابات المصرية مراجعة الحسابات الختامية للدعاية الانتخابية للتأكد من وجود اي خرق.
ورغم أن المشرع التونسي لم يضع سقفاً موحداً لتمويل الدعاية الانتخابية، واخضع ذلك إلى حجم الدائرة الانتخابية، لكنه فصّل في القانون رقم (16) لسنة 2014 عدداً من المواد التي تضبط ايقاع تلك العملية لتلافي أي خرق قد يحصل، فقد الزم القانون فتح حساب مصرفي للمرشح، ومنح محكمة المحاسبات التونسية مهمة الرقابة على مواد ومصارف كل (قائمة مرشحة أو مرشح أو حزب) ومخصصة للحملة الانتخابية، وتكون هذه الرقابة مستندية أو ميدانية أو شاملة أو انتقائية أو متزامنة مع الحملة ووجوبية لجميع المرشحين والقوائم المترشحة، وأوجب القانون التونسي اتخاذ الاجراءات الكفيلة للتأكد من وجود حساب مصرفي واحد لتمويل العملية الانتخابية، وفَرضَ عقوبات مالية صارمة لمن لا يودع حساب مالي خاص بالدعاية بعد التنبيه عليه، ولمن يتجاوز سقف الانفاق وتكون العقوبة حسب كمية الزيادة.
وبالنظر لالتزامات تمويل الدعاية الانتخابية في كل من مصر وتونس فنرى أن يقتفي المشرع العراقي، وهو الان يناقش تعديل قانون الانتخابات لكي يواكب التجارب المتطورة ولا يبقي الباب مفتوحاً امام التمويل غير الشرعي للحملات، او ان تصدر مفوضية الانتخابات ضمن صلاحياتها المنصوص عليها في قانونها رقم (١١) لسنة ٢٠٠٧ ، وقانون انتخابات مجلس النواب نظاماً للحملة الانتخابية يثبت فيه موضوع الانفاق على الحملات وكميته ومعرفة مصادره، علما ان المفوضية وخلال الانتخابات السابقة اصدرت هكذا نظام فقد ورد فيه نص، يعدّ تكرارا لما موجود في المادة (٢٩) من قانون الانتخابات انفة الذكر، وهو الوحيد الذي يتحدث عن موضوع الانفاق على الحملات.