23 ديسمبر، 2024 1:49 م

عن بيردنيكوف وكتبه حول تشيخوف

عن بيردنيكوف وكتبه حول تشيخوف

ولد بيردنيكوف في الامبراطورية الروسية عام 1915 , وتوفي في روسيا الاتحادية عام 1996 , ولم تؤثّر الفترة الصغيرة من عمره في الامبراطورية الروسية ( اي قبل قيام الاتحاد السوفيتي ) , ولا السنوات الخمس في روسيا الاتحادية ( اي بعد انهيار الدولة السوفيتية ) على مسيرة حياته في مجال البحث العلمي بتاتا , اذ انه كان وسيبقى علما من أعلام المتخصصين السوفيت ( ونؤكّد على كلمة السوفيت ) في تاريخ الادب الروسي في القرن التاسع عشر ضمن الاختصاص العام , وواحدا من المتخصصين السوفيت البارزين , والذين لازالوا يمتلكون صوتهم المسموع بروسيا اليوم في دراسة تشيخوف وابداعه ضمن الاختصاص الدقيق , اي ان بيردنيكوف باختصار شديد- علم في مسيرة الدراسات الاكاديمية حول الادب الروسي عموما , و في مسيرة الدراسات العميقة حول ابداع تشيخوف خصوصا و لحد الان .
لنبدأ اولا بتقديم هذا الباحث الاكاديمي المتميّز للقراء العرب , القراء الذين لا يعرفون – على الارجح – مكانته الحقيقية بمسيرة البحث العلمي في مجال تاريخ الادب الروسي في القرن التاسع عشر بشكل عام , ولا يعرفون طبعا اهميّته بمسيرة التعمّق في تحديد واكتشاف عوالم تشيخوف الفنية بشكل خاص , وذلك بتحليل نتاجات تشيخوف قبل كل شئ واستنباط النتائج من هذا التحليل المختبري الموضوعي .
تخرّج بيردنيكوف في القسم الروسي بكليّة الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها ) في جامعة لينينغراد ( بطرسبورغ حاليا ) عام 1939 , ثم التحق في قسم الدراسات العليا بنفس الكليّة عام 1940 , الا ان الحرب العالمية الثانية بدأت عام 1941 , وهكذا اضطر للالتحاق بالخدمة العسكرية , كما هو حال جيله كله , وساهم في تلك الحرب , ثم عاد الى قسم الدراسات العليا بعد الحرب, وأنهى تلك الدراسة بنجاح باهر, وحصل على شهادة (كانديدات العلوم الفيلولوجية ) , اي شهادة (دكتوراه فلسفة) في الادب الروسي, وكان موضوع اطروحته عن أدب تشيخوف المسرحي , واصبح تدريسيّا في نفس قسمه , قسم الادب الروسي بجامعته , ثم تدرّج في الخدمة الجامعية , و حصل بعدئذ على درجة الاستاذية ( بروفيسور) , ثم اصبح عميدا للكليّة , وبعدها انتقل للعمل باماكن كثيرة و متنوعة في المؤسسات الثقافية السوفيتية , وقد كان يشغل دائما مكانا قياديّا في تلك المؤسسات , وفي عام 1962 انجز اطروحة دكتوراه العلوم , التي يسمونها عندنا ( ما بعد الدكتوراه ) , وناقشها بنجاح (وكانت ايضا عن جوانب تشيخوف الفكرية والابداعية) , وقد استمر بيردنيكوف في مسيرة عمله الاداري الى ان وصل الى منصب الوكيل الاول لوزارة الثقافة في جمهورية روسيا السوفيتية ( اذ كان في كل جمهورية سوفيتية مجلس وزراء خاص بتلك الجمهورية ) , والذي شغله من 1966 الى 1977 , ثم اصبح رئيسا لمعهد غوركي للادب العالمي التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية , ولكن كل هذه المناصب الادارية الرفيعة في المؤسسات الثقافية السوفيتية لم توقف نشاطه في مجال البحث العلمي , وهذا هو الموقف الحقيقي للباحث العلمي , اذ كم شاهدنا حولنا من مواهب علمية ( دفنتها !) المناصب الادارية , ونريد ان نتوقف ( وحسب عنوان مقالتنا ) عند الكتب التي نشرها بيردنيكوف حول تشيخوف بالذات , دون التطرّق الى كتبه وبحوثه الاخرى حول تاريخ الادب الروسي .
أصدر بيردنيكوف عدة كتب عن تشيخوف منذ خمسينيات القرن العشرين فصاعدا , وقد تناولت هذه الكتب قبل كل شئ سيرة حياة تشيخوف مرتبطة بمراحل ابداعه وبتداخل جميل جدا , واثبت بيردنيكوف , ان تشيخوف هو ( معاصرنا ) , وقد جاء عنوان أحد كتبه هكذا – ( معاصرنا تشيخوف ) , وتناولت كتبه ايضا مسرح تشيخوف , وكان عنوان هذا الكتاب – ( تشيخوف كاتبا مسرحيّا ) , والذي يقع في 356 صفحة من القطع المتوسط , ويوجد لديه كتاب يبحث في نثر تشيخوف بعنوان – السيدة ذات الكلب الصغير لتشيخوف , وهو كتاب يتحدّث بيردنيكوف فيه عن خصائص الفن القصصي لدى تشيخوف , مع التركيز على قصته الشهيرة ( السيدة ذات الكلب الصغير) , هذه القصة التي اعتبرها الكثير من نقاد الادب واحدة من أبرز القصص في الادب العالمي , القصة التي خلّدت موضوعة الحب المتأخر و الحقيقي و المستحيل بين الرجل والمرأة , والتي انعكست من الادب على انواع اخرى من الفنون مثل السينما والنحت , وهناك كتاب آخر لهذا المؤلف بعنوان – ( تشيخوف – بحوث فكرية وابداعية ) , والذي يقع في اكثر من 500 صفحة من القطع المتوسط , وقد حاز هذا الكتاب على جائزة الدولة لعام 1985 كأفضل كتاب في مجال الادب والفن في الاتحاد السوفيتي . ويجب الاشارة حتما , الى ان هذه الكتب قد صدرت بطبعات عديدة , وكانت كل تلك الطبعات مزيدة دائما , وقد أدّت ظاهرة اعادة الطبعات هذه , الى ان يكون بيردنيكوف موجودا دائما في المصادر الروسية عن تشيخوف ولحد الان , وكم تستحق هذه الظاهرة في الاجواء الفكرية الروسية ان نتأمّلها بهدوء من قبلنا , اذ انها تجيب عن سؤال مهم جدا مطروح في واقعنا الفكري , سؤال يرتبط بهؤلاء الذين ( يحذفون !!!) دائما كل شئ حدث في مرحلة سياسية معينة من مراحل البلد , بما فيها الاعمال الابداعية في تلك المرحلة , دون ان يدرسوا طبيعة تلك الاعمال وقيمتها و اهميتها , بحجة انها ترتبط بتلك المرحلة ليس الا , وهذه هي النظرة الساذجة و السطحية للامور , النظرة التي لا تتفهّم الفرق الجوهري بين ( الاخضر واليابس !!!)… والحليم تكفيه الاشارة..