19 ديسمبر، 2024 10:04 ص

عن بعض العراقيين , الذين مرٌوا بموسكو (7)

عن بعض العراقيين , الذين مرٌوا بموسكو (7)

70 عاما على اقامة العلاقات العراقية – الروسية
استمرارا لمقالاتي السابقة لمناسبة الذكرى السبعين لاقامة العلاقات العراقية – الروسية والتي ستحل في ايلول / سبتمبر من هذا العام 2014 , اقدم للقراء الحلقة السابعة من تلك المقالات .

حدث هذا في عاصمة الاتحاد السوفيتي موسكو ايام التحالف بين الحزب الشيوعي العراقي وحزب البعث العربي الاشتراكي العراقي في سبعينيات القرن العشرين , اذ أقامت منظمة الشيوعيين العراقيين في موسكو حفلا, ودعت اليه طبعا – ضمن من دعت – ممثلي حزب البعث الحليف , وكان على رأس المدعوين البعثيين فاضل البراك , الشخص الثاني آنذاك رسميا في السفارة العراقية بعد السفير , والشخص الاول فعليا وواقعيا باعتباره المسؤول الاول لحزب البعث و المنظمة الامنية البعثية في موسكو والملحق العسكري العراقي ووو… الخ . تم في ذلك الحفل عرض لوحة ( بورتريت ) للرفيق يوسف سلمان ( فهد ) – مؤسس الحزب الشيوعي العراقي رسمها احد الفنانين التشكيليين الشيوعيين الشباب لذلك القائد الشيوعي الكبير , وقررت المنظمة الحزبية الشيوعية ان تعرض اللوحة للبيع بطريقة المزاد العلني تعزيزا ونشرا لافكارها اولا, و دعما لميزانيتها ثانيا , وهو أمر اعتيادي ومعروف طبعا , وهكذا بدأت عملية المزاد ضمن اسعار متواضعة وبالعملة السائدة آنذاك , اي بالروبل السوفيتي , واذا بفاضل البراك ينبري – وبحماس غير اعتيادي وغريب و هائل – بالمشاركة في هذا المزاد العلني ( كان الروبل السوفيتي يخضع في تلك الايام للتصريف بالسوق السوداء وباربعة اضعاف سعره الحقيقي ) , وكان كلما زاد شخص ما على سعر اللوحة تلك يعلن البراك سعرا أعلى بكثير من ذلك السعر,

وقد انتبه الى ذلك بالطبع منظمو الحفل واستغلوا حماس البراك ورغبته الشديدة بشراء اللوحة وأخذوا بتحريك واستخدام عناصرهم – وبمهارة فائقة – في داخل القاعة لزيادة سعرها ومضاعفته , واستمرت عملية تصعيد السعر هذه لدرجة هائلة بحيث لم يستطع أحد ان يضيف سعرا اكثر , وهكذا استقر المزاد بالسعر الاخير والكبير جدا الذي حدده البراك , ودفع المبلغ المطلوب واستلم اللوحة وسط تصفيق الحاضرين من العراقيين واستغرابهم طبعا لانه – كما هو معروف للجميع – يعد واحدا من الدٌ اعداء الشيوعية وافكارها في ذلك الوقت… , وهكذا انتهى الحفل .

اجتمع اعضاء المنظمة الحزبية بعد الحفل رأسا وناقشوا هذه الحادثة الغريبة وغير المفهومة جدا , ولم يستطيعوا الوصول بعد تداولاتهم الطويلة والعريضة الى نتيجة منطقية وتوضيحية لهذا الحماس المنقطع النظير لفاضل البراك لاقتناء لوحة تجسٌد الرفيق يوسف سلمان فهد, و بعد المناقشات المتشعبة , قرروا ارسال شخص عنده علاقة صداقة ما مع البراك في اليوم التالي والطلب منه بارجاع اللوحة الى المنظمة بحجة ان الفنان التشكيلي الذي رسمها لم يوقع باسمه عليها , وانهم سيعيدوها له بالطبع بعد توقيع الرسام عليها , وذلك كي تمتلك اللوحة قيمتها الحقيقية باعتبار ان عدم وجود توقيع الفنان التشكيلي الذي نفٌذها يقلل من قيمتها التاريخية والفنية والاعتبارية , وذلك في محاولة منهم لجس النبض في الاقل – كما يقال – اذ ربما سيتوضح السبب في تلك الرغبة الشديدة وغير المفهومة التي ابداها البراك لشراء تلك اللوحة , وهكذا ذهب هذا الشخص المكلف من قبل المنظمة الشيوعية في موسكو اليه في اليوم التالي من الحفل و قال له ان المنظمة ترجو منه ارجاع اللوحة لغرض توقيعها ومن ثمٌ اعادتها اليه وشرح له السبب المتفق عليه , وعندما سمع البراك بهذا الطلب اخذ يقهقه بشدة وقال له , انه ساهم امس بحماس في عملية المزاد هذه لشراء اللوحة ليس حبا بفهد ولا احتراما له ولا اعتزازا به او تقديرا له ابدا او بصورته او افكاره , وانما اراد ان يشتريها هو شخصيا كي يمنع اي شخص كان سيشتريها اعتزازا بفهد لكي يعلقها في بيته او في اي مكان

آخر في موسكو , وانه ما ان وصل امس الى البيت حتى مزٌق اللوحة هذه اربا اربا ورماها في سلة الازبال متعمدا , و ختم البراك كلامه لهذا الشخص وهو يقهقه قائلا انه لهذا السبب لا يستطيع ارجاع اللوحة له من اجل ان يوقع عليها الفنان التشكيلي الذي رسمها , وبالتالي لا يقدر ان ينفذ ذلك الطلب الذي جاء من اجله .

عندما سمعت هذه القصة الغريبة والمؤلمة وحتى الرهيبة من وجهة نظري , والتي تثير الأسى والالم والحزن في اعمق اعماق نفسي ( رغم ان البعض يعتبرها مضحكة وكوميدية جدا !!!), والواقعية جدا جدا في آن واحد , لانها تعكس وتبين فعلا المستوى الثقافي الهابط و الحقيقي بما لا يقبل الشك لهؤلاء الذين كانوا يقفون في قمة هرم السلطة والنظام آنذاك , والذي كان يحكمننا في ذلك الزمان , هذا النظام الذي أدٌى – بسذاجة او ربما بغير سذاجة !!! – ذلك الدور الذي اوصلنا الى هذا الوضع المأساوي والرهيب في عراقنا الحالي الجريح , تذكرت رأسا النكتة العراقية (الكلاسيكية !!!) , التي انتشرت في عراقنا الحبيب ايام ذلك التعاون الغريب بين الحزبين ( الحليفين !!!) في سبعينيات القرن الماضي , ومن المؤكد ان الكثير من القراء قد سمعوها , ولكني – مع ذلك – اعيدها لهؤلاء الذين لم يسمعوها من الجيل الجديد الذي جاء بعدنا اولا , واعيدها ايضا للذين سمعوها من الاجيال العراقية الاخرى انطلاقا من القول المعروف و المأثور – في الاعادة افادة , وتروي النكته ان أحد الخطاطين تسلق السلٌم الخشبي مرة وبتكليف من الحزب الشيوعي العراقي وخطٌ فوق مدخل البناية جملة – ( مقرٌ الحزب الشيوعي العراقي ) وعندما اراد النزول رأى مجموعة من العاملين في اجهزة الامن والمخابرات ينتظرونه تحت السلٌم الخشبي الذي كان يقف عليه , فأضاف بعد الجملة التي خطٌها جملة اخرى وهي – ( لصاحبه حزب البعث العربي الاشتراكي ) , وهكذا هبط واثقا و مطمئنا من ذلك السلٌم الخشبي …..

أحدث المقالات

أحدث المقالات