70عاما على اقامة العلاقات العراقية – الروسية
هذه حلقة جديدة في سلسلة مقالاتي لمناسبة مرور 70 عاما على اقامة العلاقات العراقية – الروسية , وهي الحلقة التاسعة , وستكون مكرسة للمرحوم الدكتور عدنان شفيق الزبيدي احد خريجي الجامعات السوفيتية في ستينيات القرن العشرين , والذي توفي اثر حادث مؤسف حدث في عام 2005 عندما كان يقود سيارته الخاصة صباحا قرب بيته في بغداد .
ض. ن.
====================
المرحوم الدكتور عدنان شفيق الزبيدي خريج كلية الزراعة في جامعة بغداد , وسافر الى الاتحاد السوفيتي في بداية ستينيات القرن الماضي , والتحق طالبا في قسم الدراسات العليا باكاديمية تيميريازوف الزراعية بموسكو وانهى دراسته هناك وناقش اطروحته بشكل ناجح و باهر , وهناك نكتة كان يحكيها العراقيون الذين حضروا مناقشته للدكتوراه , وهي لم تكن في الواقع نكتة بل حقيقة , اذ كان احد الاساتذة الروس الكبار في السن منبهرا من مستواه العلمي الجيد اثناء المناقشة فقال في كلمته اثناء تلك المناقشة وهو يمدحه , ان الزبيدي يجب ان يحصل ليس فقط على شهادة الكانديدات السوفيتية المعروفة والتي تعادل دكتوراه الفلسفة طبعا , بل وحتى على شهادة الماجستير , وذلك لان اسم شهادة الماجستير الاجنبية كانت – بالنسبة له – تمتلك رنٌة اجنبية باللغة الروسية وبالتالي كان لها نكهة خاصة ومتميزة بالنسبة للجيل السوفيتي القديم من هؤلاء المتخصصين السوفييت في ستينيات القرن الماضي , ولهذا اعتبرها اعلى من شهادة الكانديدات
السوفيتية . عاد الدكتور الزبيدي الى بغداد وعمل في مجال اختصاصه وبشكل مبدع , وبرز في عمله , وتم ترشيحه للعمل في عدة منظمات عالمية باوربا في مجال اختصاصه , وشغل عدة مواقع متميزة في العراق , يرتبط قسم منها في زراعة النخيل , ثم احيل الى التقاعد لبلوغه السن القانونية , ولكنه استمر بعمله واختصاصه رغم ذلك , وارتبط بمؤسسة خاصة تهتم بزراعة المناطق الصحراوية , وقد كان متحمسا لهذه الفكرة , بل وحتى تم ايفاده الى فرنسا من قبل هذه المؤسسة لمتابعة هذه الافكار المتميزة بزراعة الصحراء , وكنت انا التقيه كثيرا في هذه الفترة في بغداد , وكتبت عنه في الصفحة الاخيرة من جريدة الجمهورية البغدادية , حيث كنت انشر بعض الاحيان في عمود صحفي يومي عنوانه ( مدارات ) والتي كانت تشرف عليه في حينها الصحفية العراقية المبدعة السيدة مريم السناطي , وكان عنوان مقالتي الصغيرة تلك هو – ( بساتين في الصحراء ) , وكانت هذه المقالة في عدة سطور ليس الا في نهاية الصفحة الاخيرة من تلك الجريدة , وتحدثت فيها عن عالم عراقي (لم أذكر اسمه طبعا ) , يحلم بزراعة الصحراء ويتكلم عن ذلك الحلم دائما , ويريد ان يحول الصحراء الى بساتين مزدهرة ومزروعة و تنتج كذا الف من الباذنجان والطماطم والخيار والقثاء وبقية الخضراوات الاخرى و كذا الف من مختلف انواع الفواكه من مشمش وتين وكمثرى وبقية انواع الفواكه وكذا الف من البيض و لحم الدجاج والالبان بانواعها ووو…الخ هذه المنتجات الغذائية , وأشرت – وبشكل ما – الى ان بلدنا بحاجة ماسة الى تبني هذه المشاريع رغم انها تحمل روحا حالمة , او شئ- ما من هذا القبيل في زمن الحصار آنذاك في تسعينات القرن العشرين , وقد اطلع الدكتور عدنان الزبيدي بالطبع على تلك المقالة القصيرة جدا وكان معجبا بها وبروحها المرحة جدا والاشادة به شخصيا رغم عدم الاشارة الى اسمه , وفوجئت في اليوم التالي لصدور المقالة تلك بهاتف من جريدة الجمهورية الى كلية اللغات يطلب حضوري الى رئاسة الجمهورية شخصيا , وكنت آنذاك معاون عميد كلية اللغات , فطلبت من العميد ان يحاول الغاء ذلك لصعوبة
الذهاب الى هناك واجراء المقابلة , وقد حاول العميد فعلا – وامامي – ان يتصل هاتفيا باحد المسؤولين الذين يعرفهم في الرئاسة لالغاء ذلك , ولكن الشخص الذي تحدث معه قال له انه ينصحه بعدم طلب ذلك , وان عدم الذهاب الى هناك يمتلك محاذير شديدة , وانه ( ينصحه ) ان يذهب هذا الشخص ( اي انا ) الى هذه المقابلة الضرورية على ما يبدو لأن الشخص الذي يطلبني للمقابلة مهم جدا . اضطررت للذهاب الى هناك وفي سيارة الكلية وليس بسيارتي الخاصة لمحاذير ذلك ( وهذا ما نصحني به الاخرون من حولي ) , وبعد اجراءات طويلة وعريضة ومعقدة جدا وصلت الى مدير الدائرة الزراعية في رئاسة الجمهورية – وهو وزير زراعة سابق – , وقد استقبلني سكرتيره الشخصي وسألني هل انت الدكتور الذي كتب المقالة تلك ؟ فاجبته – نعم انا الذي كتبت المقالة , فقال لي – ( لماذا ورٌطت نفسك بذلك ؟ ) فلم افهم سؤاله وقلت له – باي شئ ورطت نفسي ؟ فاجاب – ان الرئيس صدام حسين شخصيا قرأ المقالة وكتب بخط يده جملة – ( من هو هذا العراقي ؟ ) وعليه فانني يجب ان اجيب عن سؤال الرئيس هذا , وفي ذلك تكمن ورطتي, بل انه حتى تألم بشأني ومصيري , وعندما دخلت الى مكتب المدير العام استقبلني وكانت الجريدة بيده وطرح عليٌ نفس السؤال طبعا , فقلت له ان هذا الشخص موجود وهو خريج الجامعات السوفيتية ومتخصص في علم الزراعة ومتقاعد الان واسمه الدكتور عدنان الزبيدي ومستعد للعمل وتحقيق حلمه بزراعة الصحراء بواسطة حفر الآبار فيها وسقي المزروعات بواسطة الري بالتنقيط وفق حسابات علمية محددة ودقيقة يعرفها ويشرف عليها هو باعتباره متخصصا بذلك , ومستعد لتنفيذها , فسألني – هل تعرفه ؟ فقلت له انني اعرفه حق المعرفة وهو صديقي , فطلب مني اسمه وعنوانه , فاعطيته الجواب بكل ثقة . خرجت من هذه المحنة الغريبة والعجيبة واتصلت رأسا بالدكتور عدنان الزبيدي واخبرته طبعا و بالتفصيل الدقيق بكل الذي جرى لي بسبب تلك المقالة , ففرح فرحا شديدا جدا, وقال انه مستعد للعمل من اجل تنفيذ ذلك المشروع . وفعلا , اتصلت به بعدئذ ادارة جريدة الجمهورية , وطلبت منه اجراء
مقابلة صحفية تفصيلية معه حول ذلك , وتمت هذه المقابلة وتم نشرها في تلك الجريدة وبصفحة كاملة تقريبا , ولكن الحاقدين على تلك المشاريع الرائدة والعلمية الكبيرة والمفيدة للبلد كانوا ( ولا يزالون ومع الاسف ) هم الاكثرية , ولم يسمحوا – طبعا – بنجاح تلك الافكارالتي تأتي من خريجي تلك الجامعات , وقد شعرت انا رأسا اثناء مقابلتي في دائرة الزراعة آنذاك بهذه الروحية , اذ أشار المدير العام بشكل غير مباشر طبعا ولكن واضح , الى ان دائرتهم بالذات هي الي يجب ان تقوم بتقديم هذه الافكار الى الرئاسة وليس ( بعض المتقاعدين الحالمين من خريجي روسيا او دول اخرى ) , وكان واضحا موقفه من كل ذلك الكلام , اذ المهم بالنسبة له انه هو وليس غيره من يقدم هذه المقترحات , بغض النظر عن مصلحة العراق طبعا و اهمية تلك المقترحات وقيمتها للشعب العراقي ومستقبله . وهكذا تم التسويف على كل تلك الافكار في حينها , ولم يستطع الدكتور المرحوم عدنان الزبيدي ان يحقق مشروعه الرائد ذاك .