23 ديسمبر، 2024 8:53 ص

عن المواقف السياسية للكاتب كورولينكو

عن المواقف السياسية للكاتب كورولينكو

قال عنه لوناجارسكي في اسفتاء تحريري بعد ثورة شباط / فبراير الروسية عام 1917 , ان الكاتب كورولينكو يصلح ( وجدير) ان يكون اول رئيس للجمهورية الروسية في التاريخ , وعلى الرغم من ان ذلك لم يحدث كما هو معروف, الا ان كورولينكو – مع ذلك – كان الكاتب الروسي الوحيد , الذي تمّ ترشيحه لهذا المنصب الرفيع في تاريخ روسيا ( وليس ذلك بالقليل ), وخصوصا ان ترشيحه قد تمّ من قبل شخص بمستوى لوناجارسكي واهميته, اذ انه اول وزير سوفيتي للثقافة والتعليم في الاتحاد السوفيتي ( انظر مقالتنا بعنوان – كورولينكو- الاديب والمناضل) . لقد تحدثنا في مقالتنا المذكورة تلك عن هذا الكاتب الروسي الكبير , وعن خصائص نتاجاته الابداعه وكذلك توقفنا قليلا عند مواقفه السياسية بشكل عام , ولكننا نعود في مقالتنا هذه للحديث عن تلك المواقف السياسية بشكل دقيق ومحدد , وذلك بمناسبة عودة الاوساط الفكرية الروسية بشكل واسع للحديث عن تلك الايام و الاحداث التي ( هزّت العالم !!!) كما يقول عنوان الكتاب التاريخي الشهير للباحث الامريكي جون ريد.
لقد صدر كتاب روسي عام 2017 بعنوان – ( كورولينكو والاضطرابات الثورية في روسيا 1917 – 1921) من تأليف الباحث الروسي سيرغي دميتريف , وهو كتاب ضخم يقع في (608) صفحة من القطع المتوسط , ومن الواضح طبعا حتى من عنوان هذا الكتاب , انه يتناول موقف كورولينكو من تلك الاحداث الهائلة , التي حصلت في تلك السنوات العاصفات في دولة الامبراطورية الروسية , والتي أدّت الى انهيار تلك الامبراطورية وتحوّلها الى دولة اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية ولأول مرّة في تاريخ العالم . صدور هذا الكتاب عام 2017 ليس صدفة طبعا , اذ ان الاوساط الفكرية عموما في روسيا الاتحادية بدأت بالكلام الواسع حول هذه المواضيع منذ اقتراب الذكرى المئوية الاولى لثورة اكتوبر 1917 , ولازالت تتحدّث عن تلك الاحداث الهائلة في تاريخ روسيا (والتي أثّرت طبعا حتى على مسيرة الاحداث في العالم ايضا) , ابتداء من الحرب العالمية الاولى (1914 ) , وثورة اكتوبر الاشتراكية 1917 , والحرب الاهلية التي أعقبتها في روسيا, واخيرا الذكرى 150 عاما على ميلاد لينين ( 1870 – 2020 ) , التي مرّت قبل فترة من السنة الحالية هذه, وقد انعكست اهتمامات المجتمع الروسي المعاصر هذه طبعا في وسائل الاعلام الروسية كافة من تلفزيون وصحافة وندوات ومسرح وحتى في الاعمال السينمائية , ومن الطبيعي القول , ان الحديث عن المواقف السياسية لكورولينكو يرتبط حتما بهذه الاجواء الفكرية السائدة في الاوساط الروسية طبعا .
يجب الاشارة – قبل كل شئ – الى ان كورولينكو ( 1853- 1921) كان علما فكريا متميّزا في مسيرة الفكر في روسيا اديبا وصحافيا, وقد أصدر كورولينكو مؤلفات عديدة جدا و متنوعة الاجناس , لدرجة , ان هناك بعض النقاد الروس يعتبرونه – ( وريث تولستوي) في تاريخ الادب الروسي , وهناك تصريح للكاتب الكبير ايفان بونين يشير , الى ما معناه , انه ( اي بونين) كان لا يخاف من اي شئ ومن أي أحد عندما كان تولستوي على قيد الحياة , وانه الان كذلك (..لأن كورولينكو الرائع على قيد الحياة..) . لقد بدأ كورولينكو مسيرة حياته عبر السجون والمعتقلات نتيجة لمواقفه الفكرية المعارضة للسلطة القيصرية , اذ كان قريبا من الحركة الثورية الشعبية , حتى انه رفض ترديد القسم الخاص بالولاء للقيصر الروسي الجديد الكساندر الثالث عام 1881 , وتحمّل ( بسبب هذا الرفض) النفي الى سيبيريا لعدة سنوات نتيجة لهذا الموقف المبدئي المتميّز. لقد كان هذا الاديب والصحافي والمناضل نصيرا مخلصا وحقيقيا للحرية والعدالة في المجتمع الروسي بغض النظر عن طبيعة السلطة القائمة في البلاد, وعندما حدثت ثورة اكتوبر الاشتراكية 1917 , وقف الى جانبها مؤيدا , ولكنه لاحظ رأسا تلك الخروقات الرهيبة لحقوق الانسان , التي قام بها رجالات هذه الثورة وانصارها , ولم يتردد ابدا من الاعلان عن هذه الظواهر وشجبها بشكل علني وصريح ودقيق , لدرجة , ان لينين اقترح ان يتصل به لوناجارسكي ( الوزير السوفيتي للثقافة والتعليم كما أشرنا أعلاه) , وهذا ما حدث فعلا , اذ سافر الوزير اليه عام 1920 خصيصا الى بولتافا حيث كان كورولينكو مستقرّا والتقى معه , واتفقا ان يكتب كورولينكو له رسائل تتناول مواقفه الفكرية , ووعده لوناجارسكي ان يطلّع عليها ويجيبه , وقد كتب كورولينكو فعلا ست رسائل مطوّلة وتفصيلية اليه , الا ان لوناجارسكي لم يلتزم بوعده ولم يكتب له اي رسالة جوابية على رسائله تلك , وعندما توفي كورولينكو عام 1921 , ظهرت هذه الرسائل في كتاب خاص تمّ طبعه ونشره في باريس عام 1922 , وقد وصل هذا الكتاب طبعا الى روسيا , وذكر أحد البلاشفة في مذكراته , ان لينين اطلّع على هذا الكتاب عندما كان راقدا للعلاج في تلك الفترة ( بعد محاولة اغتياله المعروفة ) , وتشير المصادر الروسية الان حتى الى رقم هذا الكتاب في مكتبة الكرملين آنذاك .
مواقف الكاتب التقدمي الثوري كورولينكو من احداث بلاده السياسية الكبرى يمكن ان تعطينا – نحن العراقيين – درسا بليغا . وهذا الدرس البليغ يؤكّد مرة اخرى واخرى , ان الحرية والالتزام بها والدفاع عنها تبقى الهدف الاسمى للمثقفين كافة بغض النظر عن مسيرتهم السياسية وشعاراتها , وان اي خرق للحرية من أي جهة كانت هو عمل مشين يؤثر سلبا على مسيرة الحرية باكملها .