22 ديسمبر، 2024 2:31 م

“ازمة الخوف.. من الخوف… هي اعمق من الخوف ذاته !!!
أصبحت الحاجة إلى إضفاء الشرعية على القرارات الهامة بإرادة الشعوب حافزًا لتطوير تكنولوجيات حياتية ذات تأثير هادف على الوعي الجماعي والعاطفي لأن المجال الفكري أقل قابلية للتلاعب بسبب البنية الطبيعية للحياة العاطفية فيتشكل الموقف تجاه الدافع الإيجابي بصعوبة أكثر, وهذا هو السبب في أن الخوف لم يكن لديه منافسين في أن يصبح هدفا لإدارة التكنولوجيا السياسية, لإن الحاجة إلى التمييز بين الأخطار الحقيقية والمتخيلة للمجتمعات وغموض ميل إدارة الخوف نفسها بإمكانية حدوث إساءة سياسية لاستخدام المجال العاطفي كمورد حيوي وسياسي يتطلب فهماً فلسفياً سياسياً خاصاً.
هناك أسباب مقنعة للنظر إلى مشاعر الخوف والأمل والإذلال كعوامل مهمة في السياسة الدولية لأن اية واحدة من هذه العواطف يمكن لها أن تكون القوة الدافعة لدول وحضارات بأكملها, وأن الخوف بحد ذاته لا يمكن تعريفه بأنه شرير إنما هو استجابة عاطفية للإدراك الحقيقي أو المبالغ فيه لأقتراب الخطر مما يثير رد فعلا دفاعي يكشف ويعكس هوية وضعف المجتمع أو الثقافة أو الحضارة، لذا قل لي مما أنت خائف منه؟ وما تفعله للتغلب على خوفك؟ وسأخبرك من أنت سياسيا وثقافيا.. وإن الخوف ليس مؤشراً عاطفياً فحسب بل أيضاً واقع متعدد الأبعاد كالحماية الضرورية من خطر الثقة بالنفس وقوة البقاء في عالم خطير بطبيعته وإحساس بالقلق الإبداعي وغريزة وقائية طبيعية. وأصبح الخوف مفرطًا وعالميًا ومتسببا بمشاكل خطيرة, وإن هاجسه سواء كان حقيقيا أو تم فرضه عمدا شكل عقبة خطيرة أمام التفاعل عالميا, لانهم عدوه مضلل وخطير بما فيه الكفاية ويرفع المستوى العام للقلق ويؤدي في أفضل الأحوال إلى الابتعاد عن الحق وإلى نتائج عكسية بحيث وصل لان يكون عاملا للحياة السياسية واستراتيجية إدارة فعالة مما جعله يراهن على لغة الإرهاب والأمن القومي المرتبط به ولا يمكن لهذا الوضع في الدول إلا أن يؤثر على سياستها، وثقافة الخوف تدفع السلطات إلى انتهاك مبادئها الأخلاقية الخاصة على أساس الاحترام الصارم لخطاب القانون مما يفقدها مركز التفوق الأخلاقي وقوة الجذب. وإذا نظرنا إلى الواقع العربي نرى أن الخوف لدينا ما هي إلا عاطفة منتشرة وعامة وتظهر سياسيا في الخشية من فقدان الفرصة لأداء دور مهم على المسرح الاقليمي والعالمي مما يدفع حكوماتنا لأرتكاب أعمالًا تؤثر سلبًا على اقتصاد وامن ورفاهية المجتمع وفي المقابل فإن مجتمعاتنا التي تعاني من مخاوف امنية واجتماعية مختلفة بما في ذلك الخوف من الحرب وعدم الاستقرار تعزز وتضفي بخوفها الشرعية على تصرفات السلطات. فيكتسب الخوف معنى جديدا في سياق الخطاب الأمني وإن نطاق المخاوف التي تظهر في خطاب الدولة أو الأمن القومي واسع للغاية لان اجهزة الدول تصنع المخاطر أولاً ثم تعمل كقوة قادرة على حماية الشعوب من مختلف التهديدات ولذا فإن الأشخاص الذين يصدمهم الخوف يسهل فهمهم ويوافقون على أي إجراءات حكومية حتى في حدود الحد من حقوقهم وحرياتهم. ويمكن للمرء أن يصادف مفهوم الأمن القومي لأجل إضفاء الشرعية على علاقات الهيمنة السائدة لإن الدول تحتاج إلى عدو ليبرر إعلان حالة الطوارئ التي تضفي الشرعية على اعتقال المواطنين دون محاكمة أو قتل أو عمليات عسكرية بدون سيطرة أو مسؤولية أو سرية أو رقابة أو احتكار لجمع المعلومات ونشرها وتوقف المشاركة المدنية وتطلب ولاء مطلق لها.
معظم الدول تتبنى الخوف على اساس محاربة سياسة الإرهاب غير إن الخوف من الإرهاب مشكلة أكبر من الإرهاب نفسه فهو تهديد أقل مما كنا نسمع عنه وبما أن الدولة تؤسس الرقابة وتحتكر جمع المعلومات ونشرها فإن جزءًا منها فقط يتم تصفيتها وتحميلها بمعاني معينة، ولدى إثارة المخاوف من تهديد إرهابي يتوقع الناس اتخاذ تدابير أمنية أكبر مما يتطلبه الحس السليم فيتم إضفاء الشرعية على مخاوفهم من خلال زيادة الإنفاق على الدفاع والمجمع الصناعي العسكري، ولذلك سيبدو خطاب الأمن القومي ليس إلا جزء من مجموعة ضخمة من إدارة المخاوف وأن سياسة الخوف ليست تهديدًا بسيطًا لعقوبات عقابية أو اختراع أعداء لا وجود لهم من أجل الحفاظ على السلطة فقط بل تتضمن جهوداً مكثفة من قبل المشاركين وتعاون ومساعدة المراقبين الذين لا يفعلون شيئاً لمقاومة الضغط القمعي للخوف فتتمحور سياسته بمجموعة من التقنيات المتلاعبة لتصبح إدارته قوية للغاية مؤديا الإعلام فيه دوراً رئيسياً ويبالغ في مواضيع الكوارث المريعة وأعمال الإرهاب وحالات الطوارئ التي تثير مخاوف خادعة بين الشعوب, وعبر ذلك نرى ان المخاوف الوهمية هي وسيلة فعالة للغاية يمكننا من خلالها إيقاف الحس السليم وتجاوز الآليات النفسية لإنها لا تبلغ عن خطر حقيقي إنما عن خطر خيالي في عالم الرموز والواقع الافتراضي وإن تطورها ليس أمرا غير سليم انما مدمر للنفس البشرية ومعطل للآليات النفسية الوقائية.
ولأجل تعميم سياسة الخوف تستخدم الحكومات جميع أنواع المخاوف الاجتماعية, ولذلك إذا مر الشخص بالخوف الاجتماعي فإنه يربطه ببعض المواقف الاجتماعية ويكون بذلك أساسا للفشل فيتم تذكر وحفظ وترجمة الخشية والسلوك الذي تمليه عليه، وهذه الخصوصية للمخاوف معروفة جيداً للنخب الحاكمة التي لا تفوت الفرصة لاستخدامها لتحقيق مصالحها الخاصة المتمثلة بتقييد حرية الأختيار للشعوب، وقد رافقت المخاوف الاجتماعية التاريخ البشري بأكمله ولذا فأن نصيبه في اللوحة العاطفية من المشاعر العامة يظل دون تغيير مما يزيد من الطلب على إنتاج أنواع مختلفة من الأمن وبهذا ستحتاج الحكومات إضفاء الشرعية على القرارات السياسية الهامة عبر تجاوز إرادة الشعوب والتي هي الأخرى ترتضي بالتضحية بجزء من حقوقها وحرياتها مقابل ضمان الأمن المحلي وهذا سيسمح لنا أن نفترض أن استخدام الخوف سيستمر كأداة إدارية فعالة في الواقع المرعب..