18 ديسمبر، 2024 11:10 م

عن التحفز.. والغفلة.. والفاعلية

عن التحفز.. والغفلة.. والفاعلية

 لا تمر الأحداث الكبرى على الأمم والدول هكذا دون توقف وتمعن وتأمل.. فذلك كفيل بتحقيق التوظيف الايجابي المطلوب، أو تقليل الأثر السلبي الواقع، والاحتياط لتكرارها في المستقبل القريب منه أو البعيد.

وفي خضم التأمل بحادث الزلزال المدمر الذي ضرب عدداً من دول المنطقة قبل أيام، تثار الكثير من الأسئلة، منها ما يتعلق بالنظرة إلى الوجود، وموضوع الإيمان بالله والادراك لنظام الكون، وتطبيق الفلسفات المختلفة ـ كل حسب ايمانه ـ على ما حصل، وصولاً إلى إظهار مكامن الانسانية والعبثية والعنصرية تجاهه!

ولعل واحدة من النقاط المهمة والواجب الوقوف عندها ــ بعيداً عن الجوانب الانسانية والعاطفية التي لا يملك أي فرد الامكانية دون التأثر بها، ما أجمع عليه المراقبون من تفسير شدة وقع هذا الزلزال وآثاره المدمرة، بأن جزءاً منها يدور حول الهدوء النسبي الذي مر على هذه المنطقة طيلة وقت طويل، وعلى الرغم من ان السلطات التركية كانت دوماً تطمئن السكان بأنها استوعبت درس كارثة 1999 المرعبة، وأن الأحداث اللاحقة تثبت ذلك، ومع ذلك ومع دقة الإجراءات وكثرة الامكانيات، لم تستطع إلا أن تتفاجأ بما حدث، وتكون الحصيلة مؤلمة وفي ازدياد لغاية هذه اللحظة.

لن اتكلم قطعاً عن الجانب الايماني او القضاء والقدر مما نؤمن به قطعاً ولا يتقاطع معه وجوب التدبير لتقليل الاضرار ما امكن، او اتخاذ الأسباب لتوظيف ما منحنا الله من عوامل ذلك وموارده، ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85)﴾ [الكهف: 83-85[، وليس موضوعي المحدد هو الزلزال ذاته، ولكني أقف عند هذا الحدث لأني أجده نموذجاً مهماً لما قد نواجهه يومياً على مستوى حياتنا العادية او في ادارتنا للملفات على اختلاف احجامها واهميتها.

فالمهم لدينا هنا، ان ادارة المشهد ان أردناها فاعلة ومثمرة يجب ألا تقوم إلا على أساس التحفز الدائم، واليقظة المستمرة، والتوفير اللازم لمعاني التأثير وأسبابه، وقد قال فلاسفة الحضارة قديماً ان نشوء الحضارات هو نتاج التحديات، وان الفعل يأتي مكافئاً للعامل المحفز، وعلى قدر الاستجابة تكن قابلية الانجاز ومدياته، ثم على الطرف الآخر قابلية النهوض والاستئناف من جديد وامكانياته.

ان الزلزال المؤلم الذي أحاط بالبشرية مؤخراً ينبهنا دوماً إلى حالة مهمة، وهي أن الدول والأمم والحضارات الحية هي التي تبقى عجلتها دائرة، تفكيراً وتخطيطاً وسلوكاً وفعلاً، دون توقف ولو للحظة، فان المفاجآت قد تقع دون تحسب او تخطيط، وبعضها يكون مدمراً بل ويعيدنا خطوات إلى الخلف وبعض تلك الخطوات تحتاج سنوات لكي يتم تعويضها.

وان الهدوء الواقع ليس مدعاة لركوننا إلى الراحة او الغفلة، بل على العكس هي منحة وفسحة لا بد من استثمارها للمزيد من الحصول على عوامل القوة في أسس بنائنا وما يعلو منه او عليه، فالحياة ما تزال تسير ــ قديماً وحديثأ ــ بقانون التدافع وستبقى كذلك كما أرادها الله جل في علاه.

وخيارنا بين ان نكون ضمن الأمم الحية أو الخاملة بالمقابل هو التزام بمنهج محدد وليس قرارات وكلام وحسب، فلعل ما نقوله هنا يفيدنا في إقرار وترسيخ قاعدة بالغة الأثر، لها جوانب ومستلزمات لا بد من الأخذ بها، وملخصها بعد استحضار التوكل على الله والإيمان به:

  • التوتر الدائم والمحفز للعمل + التخطيط الدقيق للحاضر والمستقبل +  الأخذ بكافة السيناريوهات المحتملة = المرونة والفاعلية المطلوبة.