يصر القلم على الورق دون ان يخط الحروف ,حائرة بين العبارة والمعنى ,احمل في فؤادي هما ثقيلا ارى اني غير قادرة على ما انا فيه ,فهذا يحتاج قوة فائقة كقوة شمشون الجبار الذي حمل البوابة ومضى ليحقق الهدف ,تملكني الالم القاسي وعانيت من البرد وليس عندي مأوى .
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم الذي قد يهمس او ينفث او يغوي .
تتراءى الصور الوانا واشكالا, استعيد احداثها كأنها للتو, منها الجميل الذي يبعث في نفسي الامل ويرسم على شفاهي الابتسام ومنها الاليم الذي يذري روحي ويشق شغاف قلبي ويشجع الوجع الذي اخافه اذ تنشط النفس الامارة بالسوء بهمس ولمز من الشيطان الرجيم الذي احصن نفسى ازاءه بضراعة لله بارئ الكون واستعانة به تعالى فيهرب الشيطان ويسكنني الامان فاحمد الرحمن الرحيم على ما انعم وتفضل وهو اهل للحمد دائما وابدا.
أتساءل اي الاحداث اكتب عنها وهي كثيرة ومختلفة كما ذكرت وبينا انا في هذا السؤال اذ لاحت لي صورة واخترت ان تكون هي اول ما اتحدث عنه الا وهي :
لفظ الامانة وهي بحروفها الخمسة وهو عدد ضئيل لكن معناها عظيم وعظيم جدا اذ لم تحتملها الجبال الرواسي حين عرضت عليها واحتملها الانسان فيا له من بائس ظلوم جهول حين لا يؤديها اما الذين يحتملونها ويؤدونها فهم في سلام اجل سلام دائم رغم كل ما يحيط بهم من مختلف الاحوال خيرا او ضرا.
وقد ورد لفظ الامانة في آيات القرآن الكريم في عشر مواضع منها :
بسم الله الرحمن الرحيم
(فليؤدي الذي اؤتمن امانته) (سورة البقرة :288) وهنا جاء مفردا اسما مفردا.
(إنا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال ) (الاحزاب:72) وهنا ايضا جاء اسما مفردا.
(ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها)( النساء:58) وهنا جاء اسما جمعا.
( ومن اهل الكتاب من ان تأمنه بقنطار يؤده اليك ومنهم من أن تأمنه بدينار لا يؤده اليك)(سورة آل عمران :75)جاء هنا فعلا مضارعا مبنيا للمعلوم.
(فإن أمن بعضكم بعضا )(سورة البقرة :283)
والامانة تعني الطاعة والفرائض التي فرضها الله تعالى على عباده ويدخل في مفهومها كل ما يؤتمن عليه الانسان من وديعة ورهن ولقطة كما تعني الامانة العفة والامن والمكان الامن .
بين الناس كثيرون يتعرضون لهذا الامتحان العسير ,امتحان الامانة, منهم من ينجح فيه ومنهم من يخفق اذ تغلبه النفس الامارة بالسوء او يستجيب لهمس الشيطان او ايحاء صديق السوء او كلمة لقريب مخادع واما النزر اليسير فانهم اجتازوا الامتحان بنجاح فائق وبتقدم عظيم …انهم الامناء حقا وها انا اسرد لكم قصة احدهم وهو الذي اسميته (امين مؤتمن).
نشأ يتيما اذ توفي اباه وهو لم يزل بعد طفلا في سنواته الاولى ومع هذا حظي بحنان امه المنقطع النظير كما حظي برعاية خاصة من قبل الاخرين المقربين والاصدقاء وكان محبوبا وان لم يخل من عناد ومشاكسة واستغلال مواقف يكسب من خلالها بعض ما يعود عليه ببعض ما يريد من اشياء مادية او تحقيق رغبات تعوض شعوره الحرمان من ذلك انه كان يحرج امه بطلب النقود كلما وجد عندها زائرة فبمجرد توجهه بالطلب الى امه تعمد الزائرة الى حافظتها وتقدم اليه مبلغا لا باس به من المال بل يزيد عن حاجة طفل لم يزل في سنواته الاولى لكنه لم يمد لها يده ليأخذ تلك النقود الا بعد تمنع طويل والا بعد ان يسمع امر امه بقبول تلك النقود وهو يعلم مسبقا بان هذا الامر سيعقبه لوم وتقريع وغضب فامه لن ولن ترضى له هذا الفعل لكنه رغم هذا يكرر هذا الفعل مرة بعد اخرى الى ان عمدت امه الى خصامه فما وجد بد من ارضاءها والاعتذار اليها معاهدا اياها عدم العود الى ذلك الفعل وهو ما حدث فعلا فهو رغم صغر العمر عاهد واوفى وهذه واحدة من صفاة المؤتمن.
……………..
مضت سنوات الطفولة المبكرة ودخل المدرسة فكان تلميذا مهذبا مجتهدا واكمل دراسته الابتدائية ومن ثم المتوسطة ومن ثم الاعدادية ومن هنا بدأت الاحداث التي اثقلت كاهله بالمحن وعرضته الى الالام والمخاطر اذ تم القاء القبض عليه من قبل السلطات آنذاك واودع في السجن بسبب رسالة تلقاها من زميل الدراسة في المرحلة المتوسطة وكان هذا الزميل في الاصل من قومية اخرى ومن بلد آخر وكان قد سفر الى بلده منذ سنوات واشتعلت بعد ذلك الحرب بين البلدين لذا اعتبرت السلطات هذه الرسالة بمثابة وسيلة تخابر وكان يمكن ان يحكم عليه بالإعدام بسبب تلك الرسالة باعتباره معاديا او بالأحرى خائنا لوطنه رغم انه لم يكن له اي يد في ارسال الرسالة ولم يكن له اي رد عليها بل هو لم يتواصل مع ذلك المرسل مذ تم فراقهما بسبب امر الحكومة بالتسفير.
………………..
كانت اياما صعبة ليست صعبة فحسب بل هي في غاية الخطورة وقد ترددت عبارة (الحكم بالإعدام ) اكثر من مرة حتى انه اصبح يراها كأنها الحقيقة الوحيدة التي سينتهي اليها فكان يضرع الى الله تعالى ان يشمله برحمته ويفرج عنه هذا الكرب العظيم ولن ييأس من روح الله تعالى .
اشرقت الشمس ذات يوم وكان لم يزل بين الخوف والرجاء ونودي عليه واحضر بين يدي القضاة ومن ثم اقتيد مكبلا واعيد الى سجنه لتمضي به الايام وهو لم يزل في ترقب وهو لم يزل بين الخوف والرجاء وكان رجاءه برحمة الله تعالى اعظم الرجاء سيما وهو موقن بانه لم يأتي بذنب ولا ارتكب جريرة فقد كان ذلك المرسل زميل دراسة في المرحلة المتوسطة ولم يره منذ غادر الوطن وقد اثارت الرسالة استغرابه وعجبه مثلما اثارت تساؤله عن السبب الذي دعا ذلك المرسل ليرسل له تلك الرسالة البريئة وهو يعلم مسبقا الظروف القاسية التي تحيط بمستقبل الرسالة اذ الحرب الطاحنة تدور رحاها بين البلدين ويسقط الاف الضحايا ولا عزاء للأبرياء.
………………..
وكان يوم, يوم رهيب حين نودي عليه وشددت اصفاده واقتيد مغمض العينين الى دهاليز واروقة ثم رفع عنه الشريط الاسود الذي وضع على عينيه ليبصر الحقيقة الرهيبة اذ تمثلت له المشتقة منتصبة امام ناظريه ولم تمض لحظات الا والبس الكيس الاسود واقتيد نحو المشنقة ليتلو احدهم امرا صادرا بحقه مفاده (جريمة التخابر مع اعداء الوطن)…………………………
حسبي الله ونعم الوكيل
تمتمت شفتاه بهذه العبارة (حسبي الله ونعم الوكيل) واسلم وجهه لبارئه وتسارعت الثواني في الزمن لكن في فكره كانت كأعوام طوال ارتسمت خلالها سنوات عمره كشريط اوشك ان يقطع بكلمة واحدة تقال وبإطلاقة واحدة تطلق ,هو يسمع وجيب قلبه ويشعر بتدفق الدم في عروقه هذا الدم الذي سيتخثر عما قليل وهذا القلب الذي سيكف عن النبض والتمس لنفسه العزاء انه سيذهب شهيدا كما الشهداء فهو لم يرتكب اثما ولا قام بجريره انه سيقتل مظلوما وويل للقتلة من دم المظلومين المسفوح على الارض كل قطرة فيه كأنها دعاء وترتيل ترفع الى السماء تتلقاها الملائكة وتمضي بها الى العلا حيث عرش الرحمن الذي لا تخفى عنه خافية ….
لحظات صمت ثم صوت جهوري يصرخ بعبارة أمرة مفادها (اوقفوا تنفيذ الحكم فقد صدر امر العفو )!!!!!!!!!!!