22 ديسمبر، 2024 8:37 م

عن أخلاق حماية المسؤول

عن أخلاق حماية المسؤول

في بداية أربعينيات القرن الماضي، كانت الحرب العالمية الثانية على أشدها بين ألمانيا وبريطانيا، حيث يصل عدد القذائف التي تسقط فوق لندن الى مئتي ألف قذيفة في اليوم الواحد. وفي صباح أحد الأيام كان وزير العدل البريطاني مسرعا بسيارته للوصول إلى اجتماع طارئ لمجلس الوزراء، وصادف أن عبر عامل القمامة الشارع بعربته أمام سيارة الوزير، فاضطر الوزير الى أن يبطئ قليلا، ارتبك العامل لحظتها فدفع عربته بسرعة سببت سقوط بعض القمامة على أرضية الشارع. حاول العامل التوقف لالتقاط الأوساخ وإعادتها الى العربة، ما سبب تأخر سيارة الوزير ثوانيَ قليلة، فقد الوزير أعصابه فأخرج رأسه من نافذة السيارة وقال للعامل: (أحمق).
التقط العامل رقم السيارة وقدم شكوى لبلدية لندن .أصدرت البلدية أمرها بعدم رفع النفايات من أمام بيت الوزير، ورفعت الشكوى الى ونستون تشرشل رئيس الوزراء، فطالب الأخير وزيره بالإعتذار للعامل. الذي حدث ان الوزير استقال فورا، وذهب ليقدم اعتذاره للعامل، إلا أن تشرشل رفض الاستقالة..! وقال للوزير: لقد قمت بإهانة العامل وأنت بمنصب وزير، ولن أرضى أن تعتذر وأنت شخص عادي، استقالتك معلقة حتى تعتذر وأنت وزير، وحينها سأوافق !اعتذر الوزير، ثم قبلت استقالته.
خلال التسعة ايام التي استغرقتها هذه القضية، تجمعت القمامة أمام منزل الوزير تلالا، وصارت رائحة الشارع الذي يقطن فيه لا تطاق، ما جعله ينزل كل ليلة لينقل بسيارته الخاصة بعضا منها إلى خارج المدينة !.
ماذكرني بحادثة الوزير البريطاني ورد فعل تشرشل، هو سلسلة التجاوزات التي يقوم بها أغلب من تقلد منصبا في الحكومة او الدولة العراقية. وعلى الكبار شأنا -قبل الصغار- ان يعوا ان إساءة منتسب في إحدى المؤسسات بحق مواطن، يعد أساءة تعود بالسمعة السيئة الى مؤسسته ودائرته ووزارته، الأمر الذي يتطلب الحزم في متابعة المنتسبين وضبط تصرفاتهم من قبل قادتهم وضباطهم ورؤسائهم. وإلا يختلط الحابل بالنابل، والغث مع السمين، فيؤخذ الرأس بجريرة المرؤوس، ويضحى الكل مسيئين، بل يتبلور سوء الخلق في شخص الرأس إلى حد ما.
القصد أن عملية استهانة عناصر الحماية أو الحراسات -أيا كانت عائديتها- بمواطن -أيا كان- بأي شكل من أشكال الاعتداء هي بحد ذاتها تعد تجاوزا على القانون، علاوة على كونها منافية للعرف والدين والأدب والتقاليد الاجتماعية. فمعلوم ان من أولويات واجبات أجهزة الحماية، هي توفير الأمن والحماية اللازمة كلا من موقعه المكلف به. فمنها حماية فئة معينة من المسؤولين، او بناية محددة يقبع فيها مسؤول -أيا كان- وهنا بالتحديد يتوجب على أفراد القوة العسكرية، احترام المواطنين وإبداء حسن السلوك معهم، في حالة احتكاكهم بهم تحت ظرف ما، من دون التعكز على سلطة الشخصية المكلفين بحمايتها، إن كان وزيرا او رئيس وزراء او رئيس جمهورية. وليس لي في مقامي هذا سوى الألم والحسرة والتوجع لحصول أمر كهذا في بلدي، مع استذكار حادثة الوزير البريطاني في أعلاه، التي رأيت أن سردها قد ينعش ذاكرة الساسة والمسؤولين، في استرجاع القيم والأصول والأعراف الى مكانتها الصحيحة في المجتمع.