22 ديسمبر، 2024 10:20 م

عند ضريح الشاعر الايراني ” بابا طاهر “

عند ضريح الشاعر الايراني ” بابا طاهر “

في السفرالى البلدان الأخرى متع كثيرة ، لعل أهمها هي التعرف على ثقافة شعوبها اضافة الى المعارف التي تجنيها من خلال التطلع الى المعالم والمواقع التاريخية ، لمست هذا عن جد في زيارتي الأخيرة لمدينة “همدان ” الايرانية ، حيث يرقد الشاعر الايراني ( بابا طاهر 935 م ــ 1010 م ) الذي يعد ركن من أركان الأدب الايراني وأول واكبر أديب كردستاني ظهر أثره في الساحة الأدبية التصوفية والزهدية ، ذلك أنه تناول في أشعاره العشق الألهي والحياة الزهدية للمتصوفين ، مازجاً في أشعاره بين الأدب الايراني القديم والنزعة الفلسفية الزهدية :

          لو كان هناك في قلبي شيئاً غير عشقك

          أنا كافر بين اثنا وسبعون قوما

ينتصب ضريح الشاعر بابا طاهر وسط مدينة همدان ، وقد شيد على مرتفع يمثل برجاً على قاعدة بثمان اضلاع من حجر الغرانيت ، وفي داخل الضريح ترتفع 24 قطعة حجرمحفور عليها نماذج من أشعاره ومحاط الضريح من جميع جهاته بحدائق خلابة جعلت منه تحفة معمارية فريدة وأحد أهم المعالم السياحية في المدينة . وقفت عند ضريحه وأنا أشهد بام عينى حجم التقديس والتبجيل الذي يحظى به هذا الشاعر من قبل اوساط العامة ومثقفيهم وكذلك حجم  الاهتمام الحكومي بالرموز الوطنية من شعراء وادباء وعلماء ومبدعين اخرين  ، فقد كانت الحشود الكبيرة تتدافع عند الضريح وهي ترفع ديوانه وتنشد بصوت مسموع البعض من اشعاره مثلما يحدث في زيارة الأولياء الصالحين ، وبقدر ما أدهشني هذا المشهد الذي يعبر عن ثقافة شعب ومشاعره العفوية الصادقة تجاه تجربة ابداعية لواحد من رموزه الأدبية فقد شعرت بالألم وأنا أتذكر شاعرنا الجواهري الكبير الذي أحب العراق وتغنى بجباله وبشطآنه لكنه في النهاية رقد بعيدا عنه ولم يحظ بمتر واحد يضم جثمانه ، كما جالت في خاطري جثامين قاماتنا الابداعية الأخرى التي تناثرت في أرض المنافي بعيدة عن أرضها وشعبها .

لقد عاش الشاعر بابا طاهر قبل عمر الخيام ، كما انه كتب الرباعيات قبله والتي تناول فيها مشكلة الوجود والعدم والقلق والشوق والوجد وغير ذلك من موضوعات التصوف و تأثر بالحلاج ومحي الدين بن عربي من الناحية الفلسفية فتراه يبحث عن حقيقة العشق ويعيش تفاصيل الوحدانية بين العاشق والمعشوق :

          أنا أرى القلب والمعشوق مختلطين

          لا أعرف من هو القلب ومن هو المعشوق

كما وقف الشاعر بابا طاهر في أشعاره ضدالظلم الاجتماعي وانحاز الى الفقراء والمساكين ودعا الى العدالة ونبذ التفرقة :

          لو وصل يدي الى نظام العالم

          سوف اقول

          عيب كبير عملك هذا

          تعطي ألف نعمة للبعض

          والبعض الآخر لايحصلون حتى خبز الشعير

ومشهد التقديس هذا وجدناه ايضا في زيارتنا لضريح الطبيب ابن سينا الذي لايبعد كثيرا عن ضريح الشاعر بابا طاهر حيث شاهدنا الوفود الطلابية تتقاطر على الضريح في سفرات جماعية تنظمها ادارات المدارس لتعريف الناشئة بعطاء ومنزلة هؤلاء العظماء الذين قدموا للانسانية يوما عطاءهم وابداعهم ، تسائلت في سري هل سيأتي يوم نرى فيه رموزنا وهي ترفل  بمثل هذا المجد ؟.