ما عاد جديدا مثال الابتعاد بين ما يمارسه سياسيونا ورجال ديننا وولاة أمرنا وما يبشرون به ويعظون.
وعندي أنّ هؤلاء جميعا لا يؤمنون برقابة إلهية، بل لا يؤمنون بوجود إله واحد أحد، وإلا كيف يفسرون وكيف يفلسفون وكيف يبررون ما يقومون به من خرق لأبسط قواعد الدنيا ناهيك عن قواعد الدين؟
هم كمن يجمع في كفّه بين الماء والنار
أو بين الأمانة والخيانة
أو الغش والصدق.
أو الشيطان والرحمن.
لا يستويان.
هؤلاء لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا بالبعث ولا بالقيامة ولا بجنة ولا بنار
وإن صاموا وإن صلّوا وإن قطعوا عشرات الرحلات ذهابا وإيابا إلى مكة أو غير مكّة.
لا أدري ماذا يقولون لأبنائهم؟ وبماذا يصرحون عن مصادر أموالهم؟
ولئن كان الأبناء والأزواج غافلين أو طامعين فماذا عن ربّ الأولاد والأزواج والبشر أجمعين؟
لذلك أكرر وأقول إنّ هؤلاء يلغون المنظومة الإلهية كلّها ويتصرفون بوازع فردي مبني على إنكار كلّ مقدس وكلّ غيبي على ما يدعون من تدين وإيمان وإيفاء بأركان الشريعة وأعمدة الدين.
يقولون خدمة عامة ويقولون دفاع عن الملّة وعن الوطن وجهاد على الإرهاب وهم عالمون عارفون كم في ثنايا ما يقولون من تفاصيل لا علاقة لها بكل ما يدعون. بل هي خدمة محض للجيب وللنفس.
“يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم ولكن لا يشعرون “
وأنا أقول إنّهم يشعرون ويعلمون ويخادعون الله والعباد.
لذلك فهم في غير وارد الإيمان برب ولا بدين ولا بحساب.
كيف يغفو لهم جفن وهم مسؤولون عن وطن ممزق وشعب مشرد جائع خائف نساؤه أرامل وأطفاله يتامى وشبابه عاطل معرض في كلّ مكان وأوان إلى الموت العبثي الأهوج؟
كيف يرتضون لأنفسهم أن يكونوا ولاة أمور بلا ولاية. وحماة ديار غير قادرين على الحماية. ومسؤولين بلا مسؤولية؟
سيقولون: مثالية زائدة وطوباوية عقيمة
وأقول: وما مفهومهم عن ولاية الأمر؟
ألا يقتدون بعلي بن أبي طالب ويباهون غيرهم بزهده وتقواه وخوفه من الله؟
ألا يرفعون راية ابن الخطاب ويفاخرون العالم بعدله واستقامته؟
ألا ينادون بمظلومية الحسين وآل البيت وتضحياتهم؟
كلّ هذه سياسة.
وكلّ هذا من باب هذا الانحراف الذي أشرت إليه في البداية بين ما يؤمنون به وما يفعلونه.
بين من يتخذونهم قدوة وأسوة ثم يسير في درب غير الذي ساروا عليه وماتوا من أجله.
إن كان ما أقول تخريفا ومثالية وطوباوية مفرطة وكيلا لاتهامات باطلة وتكفيرا لمؤمنين ورعين أتقياء أنقياء فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.
لقد قدمنا البينة
لكنّنا لا أنتظر يمينكم
بعد أن عرفنا كم هو قدر القسم بالله وبالشرف وبالمعتقد عندكم.