رجعت بذاكرتي الى تلك الايام التي كانت تسبق الغزو الانگلواميركي للعراق عام ٢٠٠٣ وكيف كان حال العراق حينها أمنياً واجتماعياً واقتصادياً وكيف أخذت الأحلام والآمال تنهمر على الشعب المسكين الذي ظل ينشد غداً يحمله الى واقع أفضل لا يكون فيه شأن المواطن العراقي أقل شأناً من أشقائه في الخليج الذين يُنظر اليهم نظرة تتخللها الحسرات والتنهدات والسؤال هو : ما الذي ينقصنا ليكون حالنا كحالهم وينعم شعبنا بثرواته ولا تحتكر العائلة الحاكمة الجمل بما حمل ؟؟ وما ان اجتمع اثنان وقتذاك حتى انطلق الحديث عن كيف سيكون العمران بعد ان نتحرر من سطوة القائد الضرورة والرئيس الملهم وان ناطحات السحاب سوف تزاحم غيوم بغداد وكل مواطن سيأخذ نصيبه من ثروات بلاده ونفطه وان الاستثمارات ستنطلق كالبرق في سوق العراق وسيُقضى على البطاله وسيأخذ أصحاب الشهادات مكانتهم في المجتمع ويأخذ كلَّ ذي حقٍ حقَّه وووو .. أفكار بدأت تأخذ مأخذها في ذهن العراقي حتى غدت أحلاماً بينما هي في واقع الامر حقوق أساسية لحياة كريمة اشتقنا لملامستها وتحسسها في بلاد النهرين !!!
نعم لابد ان يزول الظلام وتنقشع الغمة وتشرق شمس الكرامة ، كيف لا ومن ينادي بحقوقنا في ذلك الوقت هم من ” المناضلين ” الذين يخافون الله ويقفون عند حدوده ولا يأكلون الحرام ويحرصون على حقوق شعبهم فهم الرعاة الأتقياء الأنقياء الأوفياء الذين هجروا الأوطان وتحملوا العناء في سبيل تحرير البلاد !!!!
وفعلا تم الغزو بمباركة الأتقياء المناضلين واصبحت القوات الغازية التي أهلكت الحرث والنسل في العراق وحولته الى اثرٍ بعد عين اصبحت القوات “الصديقة” التي خلصتنا من الطاغوت !!!! وبصراحة لم ارَ في حياتي صديقاً حريصاً على تدمير صديقه بهذه الطريقة !!!!
وتمضي الايام ويتحقق “للأتقياء” مرادهم فسيحققون احلامهم على الارض ويكونون حماة الدار ، ولكن ..
مضت ٩ سنوات والعائلة التي كانت تحتكر الجمل بما حمل اصبحت عوائل والسارق بعد ان كان واحداً اصبحوا مئات والأتقياء كشروا عن انيابهم وبدأوا ينهشون بكل شيء يقع امام ناظريهم واصبح المواطن آخر ما يخطر على بالهم بعد ان ظلوا سنيناً يتاجرون باسمه !!
وبعد ان كان هناك امن صار الخوف رفيق الدرب وكان هناك استقرار فصار اضطراب الحال سمة يومنا .. كانت هناك كهرباء تنير ليل بغداد الجميل فغدا ليل مدينتنا حالك الظلمة كئيبا مقيّدا بحضر التجوال اللعين الذي حوّل المدينة الى سجنٍ كبير وبعد ان كان الاضطهاد سرياً اصبحت الاعتقالات بالجملة حتى غصّت السجون بالمعتقلين واحترق الأخضر بسعر اليابس كما يُقال والخدمات العامة صارت ذكريات من الزمن الماضي كبّر عليها العراقيون أربع تكبيرات واصبحوا يترحمون عليها في مجالسهم .. اما البطالة فأصبحت اضعافاً مضاعفة بين صفوف الشباب الحالمين بمستقبل واعد على يد ” المناضلين المحررين ” و العجب العجاب من سياسيينا الجدد الذين يخرجون إلينا على شاشات التلفاز يتبخترون بكل استهتار واستخفاف يصورون العراق كانه جنة الدنيا حتى وصف أكذبهم العراق بأنه من أأمن بلدان المنطقة !!! وكأن احدهم يعيش بكوكب آخر .. ولكن من اين لهؤلاء أن يشعروا بهموم شعوبهم وهم يتمتعون ويأكلون كما تأكل الـــ…. بقصورهم الفارهة لا يلفح وجوههم لهيب صيف بلا كهرباء ولا قسوة شتاء ؟؟؟
والغريب ان اغلبهم قضوا الجزء الاكبر من حياتهم و” نضالهم” في دول متقدمة ترعى حقوق الانسان فلم يرجعوا لنا الا بفنون من الإجرام بحق شعبهم وأساليب شتى بسرقة المال العام وكأن هدفهم الانتقام من هذا الشعب المسكين !!
ولكن عندما يُعدم الحياء يصبح الامر يسيراً على أمثال هؤلاء ورضي الله عن امير المؤمنين علي ابن ابي طالب حين قال : اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت فإن الخير فيها اصيل .. ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت فإن الخير فيها دخيل..