23 ديسمبر، 2024 12:55 ص

عندما يموت الفقير

عندما يموت الفقير

كُنت أسير بجانب الرصيف وكانوا المُصَلَّين خارج بيت الرب لكونهً ممتلئ بالمُصَلَّين، وكنت أسمع صوت الخطيب يتكلم عن الموعظة والحسنة ونصرة الفقراء وحُب الله الشديد للفقراء، وأمام بيت الرب جزرة وسطية هُناك ثلاث أطفال أنهكهم التعب فناموا بدون ان يعَون، ملابسهم رثه وأقدامهم متسخة، صوت الخطيب يرتفع مع كُل تكبيره “الله أكبر” ويردد المَُصلَّين الرد المعهود بالصلاة على نبيهم، وعند ختم الصلاة يفتحون عيونهم يميناً ويغمضونها يساراً وهو إتجاه الجزرة الوسطية كي لا يروا فقراء بلدي فتتعرى عوراتهم تجاه ربهم، والخطيب ينادي انصروا الفقراء فهم أحباب الله ويشدني المشهد سياراتٌ فارهة تقفُ في جانب الطريق أصحابها منغمسين بالصلاة والدعاء ويصغون بإهتمام واذانهم مفتوحة لسماع كل ما يقوله الخطيب ، وهُناك أرى سيارات مظلله ويقف جانبها رجالاً مفتولي العضلات منتظرين المسؤولين للخروج من الصلاة، وتنتهي الصلاة ويتعانق المُصَلَّين ويركبون سياراتهم ويخرج المسؤولين وبعده خطيب الجامع تتقدم نحوه سيارة فارهة واصطفت عند بيت الرب كي لا يتسخ حذائه وهو يسير إليها، لم يروا الفقراء الذي اوصاهم الخطيب ولم يرى الخطيب الفقراء الذي اوصى المُصَلَّين لنصرتهم ولم يسمع زقزقة بطونهم.

هكذا هُم فقراء بلادي مع كل صلاة المشهد يتكرر يومياً، سرقوا قوتهم بسياراتهم الفارهة أرأيتم جائع يستطيع الوقوف للصلاة أو رأيتم فقير عند موته تسير خلفه مواكب من السيارات، أو رأيتم فقير يحضر الى عزائه المسؤولين والأغنياء، أو رأيتم قبر فقير مبني من المرمر أو مطرز بالذهب، انا لا أحُب الخطاب الديني ولا خُطباء الدين ولا شيوخهم لإن ما يقولونه نِفاق، أفضل تجارة هي تجارة الفقراء و‏كُل ما يقال إنَ الفقراء أحباب الله “تهمة باطلة” إن الرب لم يخلق فقير ولا يتمنى الفقر لشعبه، لكن من جعلهم فقراء الحاكم على شعبه، فهو يوزع الأموال على المقربين لهُ ويترك الفقراء ينامون في الشارع ويتهمون الرب بحبهم.

مشاهدٌ كثيرة لا تُعّد ولا تُحصى في كل رِكن وكُل شارع وتحت الجسر فقراء، وصناديق الزكاة للفقراء تُسرق أو يشترى بثمنها البسيط جسد أمراة تبكي لإطعام أطفالها، أي حُب مكنون لهم من الرب كما يهتف خُطباء الدين الفقراء “أحباب الله” وبثمن بخس يلعبون الميسر والقمار على جسد امرأة تعرت لإجل لقمة خبز من صندوق زكاة صلاتهم، أركان بيت الرب في كل ركن دِماء وجوع وعُنف وقتل لتتعلق أجساد الفقراء وهم يصَلونَ في محرابه ، وأي حُب يكنهُ الرب للفقراء وتحت كل جسر يبيت فقراء بلادي.

هيهات منا الذلة نسمعها ونحنُ صغار ونحنُ نعيش في كنف أولياء الرب الصالحين وفي كُل حي معبد يتعبد بهِ الناس، وبعد نهاية الصلاة يبدأون يقطعون بإجساد البشر، ونحن في أوج ذِلتنا نسير كالعبيد إن نطقت كلمة حق سيتم صلبك في رُكن من أركان بيت الرب ويحنون جدرانه بدمائك، وان طأطأت الرأس ستكون عابد متعبد معفي من العقاب، أروني بيت للرب لا يقف تحت ظله الفقراء حتى آمن بإن الرب عادل وإنتم وكلاء عنه، أروني بإنكم لم تساوموا امرأة بجسدها لإجل لقمة خبز تطعم أطفالها حتى آمن إنَ الرب عادل وإنكم وكلاء عنه، أروني انكم تأكلون مثل ما يأكل الفقراء وتسكنون نفس سكن الفقراء وتلبسون نفس لبس الفقراء وقتها سآمن إنَ الرب عادل وانتم وكلاء عنه. لا عدالة لرجال الدين ولا للخطباء ولا للشيوخ في ارض ملأت ظلماً وفقراً وجهلاً وسالت بها الدماء أنهاراً، لاعدالة في دين يذلُ الفقير ويكرم السارق والمغتصب، لا عدالة في دين لا يكرمَ الموت فقيراً في جنزاته ودفنه وعزائه ووليمته، العدالة أن يكونوا وكلاء الرب طاهرين يكرمونَ الفقير ويضعوه فوق جباههم معزز مكرم، ولكن من اين تأتي بأطهرهم وساداتهم عَبيد؟

قبل الآف السنين كانت الحياة اكثر عدلاً وإنصافاً ولنقل ليس بالبعيد قبل 100 سنة عندما كان المد التنويري أكثر إنتشاراً من المد الإسلامي لم نكن نرى الفقراء ولا المتسولين ولا فقراء تحت الجسر، الإسلاميين يلبسون السواد أكثر ايام السنة ليعبروا عن سواد قلوبهم ويكرهون اللون الأبيض المعبر عن الفرح والحُب والتسامح، ويشقون جباههم ليغطوا سواد وجوهم بدِماء أفكارهم المتخلفة ويذبحون الإنسانية بإتجاه القبلة ويصرخون بإسم الله ليقدموه قرباناً لربهم المزعوم ويظهروه كمصاص دماء، ألم يوصي ربهم بالفقراء ألم يبشر القاتل بالقتل، كيف يخونوا وصية الرب؟ يعيش رجل الدين على جوع الفقراء في بلدي، ويعيش الحاكم على فقراء بلدي ويجردهم من حقوقهم المدنية والإجتماعية والسياسية لكي يستنسخوا عَبيداً تزداد ضعفاً لبقاء الاقوى، فالجوع لا يصنعُ ثورة ولا يزيدَ إيمان ولا يزيدَ إرتباط بالديانة فعند الجوع تموت الديانة.