23 ديسمبر، 2024 4:28 ص

عندما يكون الغرق صعودا!!!

عندما يكون الغرق صعودا!!!

تتصف المجتمعات المقموعة، والمعزولة والتي تعيش حالة القهر والحرمان بانها أكثر استعدادا لممارسة العنف والقسوة، وتتحول محصلة القوه الاجتماعية لها الى طاقه هدامه تنشر الخراب ,والدمار مثل وباء لا يقهر. كما أن ألمجتمعات البدوية التي تعيش حاله دائمة من العوز والجوع وقسوة الصحراء تتضاءل فيها ممارسات الحضارة والرأفة وعدالة الموازين بحيث تكتنز فجوات الحياة سموما”متوارثه لا تزول بزوال حامليها.
المجتمع العراقي من أقدم المجتمعات في الشرق الاوسط. ورغم احتضانه للكثير من معالم الحضارة عبر التاريخ الا ان الطابع البدوي لمجتمعه متجذر الى حد كبير، فاذا عانقت هذه الطبيعة البدوية الخشنة عقائد صِداميه متنافره، فان فرص تحول العيش المشترك وروح البناء الى حروب محليه تصبح كبيره جدا.
الصراع المذهبي في العراق ابتدأ مبكرا” ,منذ خلافة الامام علي ثم ما تالاه من الصراعات بين الحسن ومعاوية والحسين ويزيد , لكنها لم تحمل الطابع العنيف والمبالغ فيه مثلما هو الان.. كانت الحركات المعارضة لخلافة بني اميه تتصف بارتكازها على ادانة حكم الاموين باعتباره منافيا” لحكم الاسلام وليس اثبات وجود للتفسير والفقه المذهبي للعقيدة المعاصره.
ادت هذه الصراعات ولازالت الى تشتت محصلة الجهد الجماعي في البناء, ففي الماضي نشأت إمارات وممالك صغيره ذات طابع مذهبي كالفاطميين والحمدانيين والبويهيين عززت وجودها بشن الحروب على الامارات الاخرى بشعارات مذهبيه واضحه, ولم يكتب التاريخ البقاء لاي منها بشكل يناسب المذهب الذي حملته.
ساعدت عوامل الاحتراب ونتائج الصراعات الى بلورة رؤيه صداميه على طول التاريخ، كانت تكمن وتختفي , ثم تعود بقوه عندما يظهر مشرّعي الفتن والباحثين عن السلطة, هذه الرؤية ساعدت على رسوخ التنافر واستفحال العنف السلوكي والنفسي للإنسان العراقي عبر التاريخ…
رغم اعتراف المنهج الاسلامي بحقيقة الاختلاف (( انا خلقناكم شعوبا” وقبائلا” لتعارفوا) وتخييره للإنسان بحرية العقيدة (لكم دينكم ولي ديني ) ولكن عبر التاريخ لم يثبت ان هذه الحقيقة تم احترامها والايمان بقدسيتها. فكان العرب يحرقون عظام اعدائهم. ويقتلون الاطفال. ويبيدون مدنا بكاملها من شدة الجرم وعنفيه السلوك.
.
تاريخ الحروب بين السنة والشيعة لم تأخذ شكلها المذهبي حتى سنة 174هجري. حيث كانت الفتنة الاولى في عهد هارون الرشيد في بغداد، إذا اعتبرنا صراع الامويين والعباسيين مع معارضيهم ليس طائفيا” بحكم تعدد المعارضين لهم. ولكن بعد هذا الحدث لم يذكر التاريخ اي قتال حقيقي بين الطائفتين حتى سنة 338 هجري عندما حدثت الفتنة الكبرى بين الكرخيين الشيعة في بغداد وبين السنة وكان الحكم البويهي (الايراني) شيعي. وهو اول من أرسي شعائر عاشوراء المعروفة حاليا في بغداد.
في زمن البويهيين حدثت معارك بين الطائفتين في أكثر من 26 معركة في بغداد. اما في زمن السلاجقة الاتراك الذين سيطرو على بغداد في سنة 447 هجري. كانت هناك 11 معركة فقط حتى سقوط بغداد سنة 656 هجري على يد المغول.

كانت بغداد موطن أغلب حروب المذاهب في تاريخ المسلمين. فما يحدث في بغداد تتبعه المدن الاخرى. واستمر الحال حتى سيطرة العثمانيين اللذين استغلوا الخلافات الطائفية أيما استغلال في تثبيت حكمهم على العراق ومحاربة والصفويين بعد ذلك. فكانوا سببا” لاندلاع معارك دموية تحت ذرائع كثيره كسب الصحابة او عاشوراء التي تغلق اثناء اداء شعائرها الاسواق وتتوقف المصالح فتحتج الطائفة الاخرى ويحدث الصراع.
وما حدث بالأمس في الأعظمية مهما كانت دوافع الفاعلين , ومهما كان انتمائهم, فقد عمقوا الجرح واصبح الشرخ اكبر حتى خرج عن قدرة ذوي الشأن والنفوذ من الطرفين بعلاجه, لان من كانوا يراهنون على اللحمة الوطنية ايقنوا الان ان السلم الاهلي في العراق لا يمكن تحقيقه الا بإزالة عوامل الاحتقان والتي ليس بمقدور أي احد التلويح بقدرته على أزالتها .
هذا الانفراط المذهل في العنف في للشخصية العراقية عبر التاريخ هو نتاج تفاعل لمجمل المكونات المكانية والزمانية والعوامل المؤثرة الأخرى صغيره كانت ام كبيره وامتزاجها وتراكمها عبر التاريخ لتتكون حقيقه موضوعيه راسخه في الوجدان الجمعي بان الخلاف المذهبي مقدس.. وان الله وعد من يدافع عن مذهبه بالجنة. وكل طرف يرى ان الله معه والشيطان مع الاخر.
أن الحرب الاهليه في العراق في 2007-2008 والحرب الدائرة الان هي حرب حقيقيه. ولم تعد تنفعها المسكنات. ولا يكفي مؤتمرات المصالحة في الفنادق بإطفائها. فكلا الطرفين أصبح أكثر قوة ويملك أدوات تدميريه كبيره, حتى القنابل الذرية. واعتقد ان نهاية الارض ستكون شيعيه سنيه. لأنه العداء الوحيد الذي لا يقوم من اجل مجرد المصالح، بل يقوم على عقيدة الجنة والنار وهو ما يعني انه لن يتوقف مادام الاسلام موجودا وسلطه تستخدمه بإفراط. فحروب الكاثوليك والبروتستانت والارثوذكس في اوربا هدأت تقريبا” عندما تم استبعاد نفوذها من السلطة. لذلك أصبح العراقيين اما خيارين لا ثالث لهما اما ان يستمروا بقتل بعضهم او ابعاد الدين عن السياسة، وتبني الدولة الليبرالية.