بينما كنت استعد لكتابة بحث علمي حول المياه ،وبعنوان(إعادة إحياء مشروع أنابيب المياه التركي من وجهة نظر عراقية ) عام 2012 وقد نشر بعد ذلك في مجلة بيت الحكمة،ولأجل جمع مصادر عن هذا البحث، وكعادتي في الكتابة ، أتوجه إلى المصادر الرئيسة التي تناولت الموضوع سابقا”، توجهت إلى مدينة الموصل ، والى جامعة الموصل / مركز الدراسات التركية،وهو مركز رائد في البحوث والدراسات الأكاديمية عن تركيا. المركز المذكور عريق وقد أسسه وعمل فيه طيلة 13 عام الأستاذ الدكتور عوني عبد الرحمن السبعاوي ،حتى عام 2003 ،ولهذا الرجل العديد من المؤلفات والبحوث الأكاديمية في موضوعة المياه،وبعد موعد مسبق التقيت الرجل في مقهى مقابل جامعة الموصل،وعلى مدى ثلاث ساعات استمعت لهذا العالم الموسوعي ، وناقشته في الأسئلة التي أود طرحها في بحثي المذكور عن المياه، سرد لي قصة عن تركيا ،وعن مشاريع السدود التي بدأت في إنشائها منذ عقد سبعينيات القرن الماضي ،وقال كنا في مركز الدراسات التركية نجمع كل مايصدر عن تركيا حول العراق،فضلا”عن السياسة التركية وأنشطتها الأخرى الاقتصادية والعسكرية والثقافية والاجتماعية .
الصحافة التركية ، كانت محل اهتمامنا أيضا”والحديث للأستاذ عوني السبعاوي، إذ بدأت الاستعدادات في تركيا لغرض الاحتفال بانجاز سد أتاتورك عام 1989، ولغرض بدء العمل بهذا السد العملاق يجب ملأه من مياه نهري ودجلة والفرات ، وعندها بدأت المواقف السورية الرافضة للمشروع بالتصاعد ، وأخذت إشكال متعددة في التعبير عن ذلك ، بينما لم يصدر من العراق إي موقف رسمي وشعبي حول موضوع السد التركي المزمع افتتاحه.
وسط ذهول الصحافة التركية لصمت العراق ، إزاء قضية مصيرية ومهمة تتعلق بمستقبل العراق المائي ،ومستقبل الحياة بشكل عام على أراضيه، ظهرت آراء وكتابات صحفية تركية ، تحذر من هذا الصمت المخيف والمحير، لاسيما وان العراق قد خرج للتو من حرب دامت 8 سنوات مع إيران منتصرا”، واستطاع اجتياح مسافة 400 كم داخل الأراضي الإيرانية، وعندها انتشر داخل تركيا ان العراق وبصمته هذا ربما يخفي نوايا غير معلنة في اجتياح تركيا ، لاسيما وان قواته المسلحة في أوج
كفاءتها وفعاليتها،وهو قادر على فعل ذلك كما فعلها مع إيران ، والتي كانت تمثل الجيش الخامس عالميا قبل بدء الحرب عام 1980.
تراجع الموقف الرسمي التركي تحت ظل هذه التحليلات التي أبدتها الأوساط الثقافية ، والفعاليات الاجتماعية ، والصمت العراقي المريب في افتتاح السد التركي ، وصدر قرار رسمي في تأجيل ملئه .
استمر تعطيل افتتاح السد التركي حتى عام 1992، وبعد إن تم تدمير العراق في حرب الخليج الثانية ،وإصدار حزمة قرارات من مجلس الأمن الدولي ضده، وعندها وبعد إن تأكدت تركيا إن العراق لم يعد مؤثرا”عسكريا على تركيا، أصدرت قرارها باستئناف العمل في ملء السد التركي ،فضا” عن الشروع ببناء سدود أخرى .
إن هذه الوقائع التي رواها لي الأستاذ الدكتور عوني عبد الرحمن السبعاوي ،تؤكد إن العراق يشكل قلق وخوف لكل من يريد إن يمس سيادته ،وهنا لست بصدد الدفاع عن النظام السابق.
واليوم وإزاء هذا التهديد الخطيرلامن وسيادة العراق، لاسيما وانه تعرض لهذه الانتهاكات منذ عام 1991،فأننا بأحوج مايكون لان نوحد خطابنا السياسي والاجتماعي تجاه هذه الانتهاكات المستمرة ومن إطراف دولية متعددة ، تحاول تصفية حساباتها على الاض العراق ضمن سياسة المحاور المقيتة والتي لاتخدم العراق في الوقت الراهن .